البدايات القويّة مهمة؛ ولكن استمرار المهمّة أهم؛ فأحب الأعمال إلى الله أدومها، لذلك جمع موسى عليه السلام في هذه الجملة بين البداية القوية والعزيمة على الاستمرار فقال: {لَا أَبْرَحُ حَتَّىٰ أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا}، فهو يخبر أنه على استعداد أن يستمر في السير لطلب العلم حتى يصل إلى غايته أو يظل يسير ولو لسنين {حُقُبًا}. لذلك جاءت الآيات بعدها كلها معطوفة بحرف الفاء الذي يدل على السرعة والمتابعة: {فَلَمَّا بَلَغَا...}؛ {فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ...}؛ {فَلَمَّا جَاوَزَا...}؛ {فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا...}.
وقد حذرنا الله عز وجل من النموذج الأبتر الذي ينقطع دائما مع أي عارض؛ قال الله: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّىٰ؛ وَأَعْطَىٰ قَلِيلًا وَأَكْدَىٰ}، هذا الشخص كان على الطريق ثم تولى ولم يكمل لسببين:
- الأول: ضعف البداية {أَعْطَىٰ قَلِيلًا} لاحظ كلمة قليلًا، عطاء ضعيف من البداية.
- الثاني: عدم مجاهدة النفس على الاستمرار عند العوارض {أَكْدَىٰ} ومعنى أكدى أي توقف لما بلغ الكُدية، والكدية أي الحجر الصلب الذي يقابل من يحفر بحثًا عن الماء، فيقال لمن طلب شيئًا ولم يدرك آخره وأعطى شيئًا ولم يتم أنه أكدى؛ (تفسير السمرقندي).
هذه الصخرة حتمًا ستقابلك في طريقك فإياك أن تتوقف.
- أحمد عبد المنعم.