لا بدَّ أن تعلم رعاك الله أن الحال لا تدوم على وتيرة واحدة فما من بلاء إلاَّ وخلفه فرج والعكس بالعكس ..تأمل في قوله تبارك وتعالى لِكَيْلا تََأْسَواْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُواْ بِمَا آَتَاكُمْ وَ اللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ فلا بدَّ أن يعلم المبتلى أن الفرج آت لا محالة ..
فالمصائب والبلاء أيامٌ معدودة ثم لحظاتٌ وتنجلي ..
كان محمد بن شبرمة إذا نزل به بلاء قال : سحابة صيف ثم تنقشع ..لكن قبل أن تنقشع لا بدَّ من الصبر والثقة واليقين بربّ العالمين .
قال بعض السلف : أفضل العبادة انتظار الفرج من الذي بيده مفاتيح الفرج .
يا صاحب الهم إنَّ الهم منفرجٌ
إذا بليت فثق بالله وارضى به
لا تجزعنَّ إنَّ الفارج الله
إنَّ الذي يكشف البلوى هو الله
وحتى تهون عليك المصيبة عبد الله ..انظر إلى مصاب غيرك .. آدم عانى المحن إلى أن خرج من الدنيا ..أُخرج من الجنة ، وتاه في الأرض ، وقتل هابيل قابيل.. وبكى نوح ثلاثمائة عام ، وصبر على قومه ألف سنة إلا خمسين عاما ، وأخذ الطوفان ابنه ولم تؤمن زوجته .. ثم أُلقي في النار الخليل ، ووضع ابنه وزوجه في وادٍ غير ذي زرع ، ثم يأمره الله بذبحه ثم هو يصبر ويحتسب.. وبكى يعقوب حتى ذهب بصره ..وقاسى موسى من فرعون ومن بني إسرائيل ما قاسى .. وعيسى ابن مريم لا مأوى له إلاَّ البراري والصحراء .. ومحمد مطارد في الغار ، قاسى الفقر، وقُتل أصحابه ..
هذا حال الأنبياء وهم أشد الناس حباً وثقة بالله ..سأقف مع بلاء إبراهيم وصبره ولكن في الخطبة الثانية .. سأقف مع بلاء إبراهيم وصبره ولكن في الخطبة الثانية ..
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم .. أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية :
الحمد لله على إحسانه والشكر له سبحانه على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له تعظيماً لشانه ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه . اللهم صلي وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه ..
أما بعد :
عباد الله .. أوصيكم ونفسي بتقوى الله ومن تقوى الله الصبر على الطاعات، الصبر عن المنكرات ، والصبر على قضاء الله وقدره في كل الأحوال وفي كل المسارات ..
عباد الله .. في خبر إبراهيم عليه السلام عجب العجاب فتعالوا نتبع الخبر .. تعالوا ننتبع الخبر أنا وإياكم بإيجاز واختصار ..
إبراهيم عليه السلام حُرم الولد لسنوات طوال ثم رُزقه على كبر ، ثم أمره الله أن يضعه وأمه في وادٍ غير ذي زرع والخبر معروف رَّبَّنَا إِنّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّّيََّتي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكِ المُحَرَّمِ ثم لما كبر الغلام وشب وتعلق قلب إبراهيم به .. كيف لا والله يصف ذلك الغلام بوصف عجيب قال الله فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ ثم ها هو الأب الشيخ الكبير المقطوع من الأهل والقرابة ..المهاجر من الأرض والوطن ، رُزق بغلام لطالما تمنى أن يناله ثم أُعطيه ..موصوف من ربه بالحلم ..فما كاد يأنس به ويشب ويترعرع أمام عينه فإذا هو يرى في منامه أنه يذبحه ..فيرى في منامه أنه يذبحه فيدرك إبراهيم أنها إشارة من ربه بالتضحية .. إنه الابتلاء والامتحان.. فهل تردد أو توانى!! أبداً والله.. ولم يأت في قلبه إلا الشعور بالطاعة ، ولم يخطر بباله إلا التسليم والاستسلام لربّ العالمين .. تأملوا الأمر كان إشارة ولم يكن وحياً صريحاً ولا أمراً مباشراً ولكنها إشارة من ربه وهذا يكفي ..
لله أكبر ..كم من الأوامر الصريحة اليوم .. كم من الأوامر الصريحة اليوم تُترك ويتهاون بها .. لم يتسخط إبراهيم ولم يعترض ..لم يقل لماذا يا رب أذبح ابني الوحيد ! لم ينزعج ، لم يجزع ، ولم يضطرب ..إنما قبول ورضى وهدوء وطمانينة ..
يظهر ذلك في كلامه لابنه وهو يعرض عليه الأمر الهائل قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي المَنَامِ أَنّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى كلمات المتمالك لأعصابه المطمئن لأمر الله الواثق بأداء الواجب.. كلمات مؤمن صادق .. لم يتعجل ويندفع لينتهي الأمر بسرعة ويستريح .. ووالله الذي لا إله إلا هو إن الأمر أشق مما تتصور .. والله الذي لا إله إلا هو إن الأمر أشق مما تتصور .. هو لم يطلب منه أمراً قد يودي بحياته إنما يطلب أن يتولى الأمر بنفسه .. إنما يطلب أن يتولى الأمر بنفسه .. وأن يتولى الذبح بيديه.. ثم هو ذا يعرض الأمر على الابن ، ويطلب من الابن التروي في الأمر يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي المَنَامِ أَنّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى سبحان الله أما كان في أخذ الابن على حين غرة راحة له وانتهى الأمر..أما كان في أخذ إبراهيم للابن على حين غرة راحة له و انتهاءً للأمر ..