الاعتكاف في اللغة: لزوم الشئ، وحبس النفس عليه، براًّ كان أو غيره، ومنه قوله تعالى: ( إِذْ قَالَ لأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ) واصطلاحاً: لزوم مسجد لطاعة الله تعالى على صفة مخصوصة
» مشروعيته: الاعتكاف مشروع بالكتاب والسنة والإجماع،، ففي الكتاب قوله تعالى:(وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ)
وقوله تعالى:(أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ) الآية دليل على مشروعيته حتى في الأمم السابقة.
وأما السنة، فهي كثيرة، منها حديث عائشة رضي الله عنها قالت:( كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله).
وقد نقل الإجماع على مشروعيته عدد كبير من العلماء، منهم ابن المنذر في كتابه الإجماع، وابن حزم في مراتب الإجماع.
» حكمه: الاعتكاف سنة مؤكده عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ ودليله حديث عائشة رضي الله عنها السابق.
ويجب الاعتكاف بالنذر.
> لم يرد في فضل الاعتكاف شئ يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله، إنما فعله عليه الصلاة والسلام، وداوم عليه.
> _لا ينبغي ترك الاعتكاف،_ قال الزهري:(عجباً للمسلمين!! تركوا الاعتكاف مع أن النبي صلى الله عليه وسلم ما تركه منذ قدم المدينة، حتى قبضه الله عز وجل ).
» شروطة: يشترط الاعتكاف الآتي:
*النية *الطهارة من الحدث الأكبر *أن يكون مسجداً تقام فيه صلاة الجماعة.
ويصح الاعتكاف: من غير البالغ إذا كان مميزاً، ومن الأنثى بشرط ألا تكون حائضاً أو نُفساء.
فقد اعتكف أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، كعائشة وأم سلمة وحفصة رضي الله عنهن.
» مدة الاعتكاف: يصح الاعتكاف سواء كانت المدة كثيرة أو قليلة؛ لأنه لم يرد في ذلكما يدل على التحديد.
» وقته: أفضل أوقات الاعتكاف العشر الأواخر من رمضان؛ لما جاء عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله.
» أما وقته في العشر الأواخر: فإن من أراد اعتكاف العشر الأواخر فإنه يدخل المسجد قبل غروب الشمس من يوم العشرين؛ حتى يصدق عليه أنه قضى أول ليلة من العشر في المسجد.
وأما من جاء في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يعتكف العشر الأواخر صلى الصبح، ثم دخل معتكفه، فالمراد بالمعتكف: المكان الخاص الذي أعدَّه للاعتكاف داخل المسجد.
> ينتهي وقت الاعتكاف بغروب شمس آخر يوم من رمضان.
> ليس الصوم شرطاً في الاعتكاف؛ لما جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما إن عمر رضي الله عنه قال: يا رسول الله، إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام، فقال:(أوف بنذرك). ومعلوم أنه لا صيام في الليل.
» صيام يوم الشك احتياطاً لرمضان، وهو يوم الثلاثين من شعبان، إذا كان في السماء ما يمنع رؤية الهلال؛ لما جاء عن عمار رضي الله عنه قال:(من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم) ولقوله صلى الله عليه وسلم:(لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يومٍ أو يومين، إلا أن يكون رجل كان يصوم صومه فليصم ذلك اليوم).
» صوم يومي العيدين؛ لما ثبت عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه:(نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الفطر أو النحر)
» صوم أيام التشريق، وهي ثلاثة أيام بعد يوم النحر: الحادي عشر، والثاني عشر، والثالث عشر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:(أيام التشريق أيم أكل وشرب وذكر لله عز وجل).
" ولكن يجوز صيامها للمتمتع والقارن إذا لم يجد الهدي؛ لحديث عائشة وابن عمر رضي الله عنهم، قالا:(لم يرخص في أيام التشريق أن يُصمن إلا لمن لم يجد الهدي).
» إفراد يوم الجمعة بصيام تطوعاً؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تصوموا يوم الجمعة، إلا أن تصوموا يوماً قبله أو يوماً بعده).
» إفراد يوم السبت بصيام؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:(لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم).
*ولكن يجوز صيامه مع غيره، لقوله صلى الله عليه وسلم لأم المؤمنين جويرية رضي الله عنها وقد دخل عليها يوم الجمعة، وهي صائمة:(أصمت أمس؟) قالت: لا. قال:(أتريدين أن تصومي غداً؟) قالت: لا. قال:(فأفطري).
» صيام الدهر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:(لا صام من صام الأبد).
> يكره إفراد شهر رجب بالصيام؛ لأن أهل الجاهلية كانوا يعظمون هذا الشهر، وقد جاء عن خرشة بن الحر قال: رأيت عمر رضي الله عنه يضرب أكف الناس في رجب، حتى يضعوها في الجفان، ويقول (كلوا، فإنما هو شهر كان يعظمه أهل الجاهلية).
∆ صوم التطوع: أنواع صوم التطوع: » صيام ستة أيام عن شهر شوال؛ لما ثبت عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:(من صام رمضان، ثم أتبعه ستاً من شوال،كان كصيام الدهر ).
» صيام يوم عرفة لغير الحاج؛ لما ورد عن أبي قتادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صيام يوم عرفة، أحتسب على الله أن يكفر السن التي قبله، والسنة التي بعده).
» صيام عاشوراء؛ لما جاء عن أبي قتادة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(صيام يوم عاشوراء، أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله).
*والأفضل لمن أراد أن يصوم عاشوراء أن يصوم يوماً قبله أو يوماً بعده؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:(لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع).
♡ ورد في فضل صوم التطوع أحاديث كثيرة، منها: حديث سهل رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:( إن في الجنة باباً يقال له: الريان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحد غيرهم، فيقال: أين الصائمون؟ فيقمومون، لا يدخل منه أحدٌ غيرهم، فإذا دخلوا أغلق، فلم يدخل منه أحد).
وقال صلى الله عليه وسلم:( من صام يوماً في سبيل الله باعد الله تعالى وجهه عن النار سبعين خريفاً).
» صوم الأتنين والخميس كل أسبوع؛ لما ثبت عن عائشة رضي الله عنها:(كان النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى صيام الأتنين والخميس).
ولقوله صلى الله عليه وسلم:(تعرض الأعمال يوم الأثنين والخميس، فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم).
» صيام ثلاثة أيام من كل شهر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو رضي الله عنهما:(صم من الشهر ثلاثة أيام، فإن الحسنة بعشر أمثالها، وذلك مثل سيام الدهر).
» صيام التسع الأول من ذي الحجة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:(ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه العشر).
ولما جاء عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت:(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة.... الحديث).
» الصوم في شهر الله المحرم؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:(أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل).
» صوم يوم وإفطار يوم؛ وهو أفضل أنواع صيام التطوع لمن يطيقه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:(أفضل الصيام صيام داود عليه الصلاة والسلام؛ كان يصوم يوماً ويفطر يوماً).
> هل يجوز لمن صام تطوعاً أن يفطر؟
> الصحيح نعم، ودليله ما أخرجه مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل عليًَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال:(هل عندكم شئ؟ فقلنا: لا، قال: فإني إذن صائم). ثم أتانا يوماً آخر فقلنا: يا رسول الله، أُهدي لنا حيس _وهو التمر مع السمن والأقط_ فقال:((أرينيه، فلقد أصبحت صائماً)) فأكل.
من أفطر يوماً في رمضان بغير عذر فقد ارتكب إثماً عظيماً، ويجب عليه التوبة والاستغفار، وقضاء ما أفطره.
ومن أفطر بعذر كمرض أو سفر أو غير ذلك من الأعذار المبيحة للفطر فإنه يجب عليه القضاء على التراخي إلى رمضان التالي، لكن الأفضل التعجيل بالقضاء، إبراء الذمة، ولأنه أحوط للعبد؛ فقد يطرأ له ما يمنعه من الصوم. فإن أخر القضاء حتى دخل رمضان التالي فلا يخلو من حالين:
الأولى: أن يكون بعذر كما لو كان مريضاً واستمر به المرض حتى دخل رمضان التالي، فهذا لا إثم عليه في التأخير؛ لأنه معذور، وليس عليه إلا القضاء فقط.
الثانية: أن يكون التأخير بغير عذر، كما لو تمكن من القضاء، ولكنه لم يقض حتى دخل رمضان التالي. فهذا آثم بتأخير القضاء بدون عذر، واتفق الأئمة على أن عليه القضاء، ولكن اختلفوا هل يجب مع القضاء كفارة _وهي أن يطعم عن كل يوم مسكيناً_ أو لا؟
والراجح أنه ليس عليه كفارة، ولو كفَّر كان حسناً.
»» لا يشترط في القضاء التتابع، بل يصح متتببعاً ومتفرقاً، لقوله تعالى:(فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ)
والشاهد: أن الآية ليس فيها اشتراط التتابع، فلو كان شرطاً لبينه الله سبحانه وتعالى.
» المبالغة في المضمضة والاستنشاق: لقوله صلى الله عليه وسلم:(وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً).
ولإنه إذا بالغ في المضمضة والاستنشاق قد يصل الماء إلى حلقه وجوفه.
» تقبيل الزوجة لمن لا يملك نفسه؛ لأن ذلك قد يؤدي إلى نزول المني أو يجره إلى الجماع.
أما من يأمن نفسه فلا بأس؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل وهو صائم، قالت عائشة رضي الله عنها:(وكان أملككم لإربه) أي: حاجته.
» ذوق الطعام لغير الحاجة، فإن كان لحاجة فلا بأس، مع الحذر من وصول شئ من ذلك إلى حلقه.
» تضييع الوقت في اللعب واللهو؛ لأن ذلك يفوت عليه أجوراً عظيمة، وثواباً كبيراً.
» وصال الصوم ليومين فأكثر، لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عنه، فعن عائشة رضي الله عنها قالت نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال رحمة لهم، فقالوا: إنك تواصل. فقال:(إني لست كهيئتكم،إني يطعمني ربي ويسقين).