أن تنخرط في الصالحين، هل تدري أن هذه نعمة بحدِّ ذاتها وعطيّة؟
تجالسهم فتسمع همومهم وما يحزنهم وما يفرحهم، فيوقدون فيك الهمم من دون أن يقولوا لك افعل أو لا تفعل.
هذا صاحبٌ يقول لك كيف عاتبه الله بموقف على كلمةٍ صغيرةٍ قالها بحق إنسان، فيها سوء ظنّ، فتاب منها، تقول يا لله! كيف يحاسب البعض نفسه!
وهذا يقوم الليل يتزود منه نورًا ليضيء به قلوب من يعلّم في اليوم التالي، وهذا يتغنى بسورة في الصلاة، وهذا يحكي لك عن رحلةٍ متجدّدة مع القرآن، وهذا يحمل كتاب الحديث بيده أمامك أو مصحفه يتلو ويحفظ دون هوادة، وهذا يحكي لك قصص تعلّقه برسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة، وعيناه تشعُّ نورَ الأوراد.
وهذا تذكر معه، وذاك تدعو معه وأولاءِ تتلو معهم القرآن وتحضر مجالس العلم.
أحدهم يعاتبك فتنتبه، والآخر يسندك بكلمة جبرٍ تأتي كالغيث على قلبك من الله في وقت حزنك، وأحدهم تأخذ من أدبه أو لباسه أو انتقائه لكلماته أو أسلوبه أو ابتسامته المشرقة دومًا لك، رغم أنّ الحياة لم تعتق رقاب أحدنا من الهموم!
من كلٍّ تأخذ جانبًا مشرقًا فتشرق أنت وتأنس وتتغيّر مقتربًا من الكمال يومًا بعد يوم، ولولا الله ورحمة الله ما جمعك بالصالحين وألّف بين قلوبكم لترقى بهم ويرقوا معك.
(...هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ۚ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).
والمرء وحده مهما حاول وبلغ علمًا وفهمًا، هيهات! سيهوي في مزالق الشيطان من حيث لا يدري.
ولو انزعجت يومًا، يبقى أفضل من ازعاج الشيطان وبليّاته.
هنا تذكرت حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(...فَعَلَيْكُمْ بِالْجَمَاعَةِ فَإِنَّمَا يَأْكُلُ الذِّئْبُ الْقَاصِيَةَ).
وفي مجلسٍ معهم، تحدّثك نفسك أنك لست بأهل، ولست من الصلاح كما ينبغي، ثم تتذكر: لعل الله يهبني لصلاح أحدهم فيقبلني، أليسوا هم القوم لا يشقى بهم جليسهم؟
فذاك.
نور عدنان الزرعي