طلب قوم سيدنا عيسى منه أن يسأل الله مائدة من السماء بهذه الصيغة:
(#هل_يستطيع ربك...)!
قال تعالى على لسانهم:
(إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ ۖ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)
وحين رفع سيدنا عيسى طلبهم لله تعالى بالدعاء، أعاد الصيغة فقال:
(قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ ۖ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)
بدأ بقوله: اللهم ربنا، من باب الثناء والتذلل بالعبودية، ثم قال لله سبب الطلب، أن تكون عيدًا وآية: أي دليل ومعجزة...
ثم ختم بثناء: (وأنت خير الرازقين).
من شدة أدبه وفهمه.
مسألة الأدب مع الله بالكلام، بالدعاء، واختيار الكلمات، بالتذلل بين يديه، تلفت انتباهي كلما قرأت هذه الآيات...
انتبه لكلماتك مع الله!
فأحيانًا يُنعم سبحانه على واحدنا الكثير، ثم إذا أصابته مصيبة واحدة، أو حتى همٌّ واحد يقول: الله لا يريد أن يسعدنا أبدا! الله خلقني للتعب والعذاب! لماذا يفعل الله بنا ذلك! مكتوب علي الشقاء!
وغيرها من الكلمات...! من سوء الظن بالله وقلة الأدب معه سبحانه!
أحيانا كلمة، يلفظها العبد أو يكتبها، أول من يسمعها الرحمن وأول من يقرؤها الرحمن تكون له سبب نعيم ورضا منه سبحانه...
قال تعالى عن أُناس:
(فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ #بِمَا_قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ)
هل تعلمون ما قالوا هؤلاء؟
قالوا: قال تعالى:
(وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَىٰ أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ ۖ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ * وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ).
فأجابهم مولاهم:
(فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ #بِمَا_قَالُوا ...).
وأحيانًا كلمة تُكتب تكون سبب شقاء...
(فويلٌ لهم مما كتبت أيديهم وويلٌ لهم مما يكسبون).
(سنكتبُ ما قالوا...).
(ما يلفظُ من قولٍ إلا لديه رقيبٌ عتيد)
أذكر هنا شاعرًا مات ولَده، فحزن عليه حزنًا شديدًا، لكنه ألّف قصيدةً كتب في أحد أبياتها كلامًا فيه رضا وثناء على مولاه سبحانه رغم مصيبته، فقال:
جاورت أعدائي وجاور ربّهُ...
شتّانَ بين جوارهِ وجواري
وعندما مات هذا الشاعر، رُؤي بعد ذلك في المنام يقولُ على ما أذكر أن الله غفر له بهذا البيت من الشعر.
فماذا تكتب، وماذا تقول؟
نور عدنان الزرعي