● الدرس الخامس والثلاثون ...
موضوع الدرس : " الرد على المنحرفين
عن منهج السلف في أسماء الله وصفاته
من المشبهة والمعطلة "
المنحرفون عن منهج السلف في أسماء الله وصفاته طائفتان: المشبهة والمعطلة.
١ - المشبهة:
وهؤلاء شبهوا الله بخلقه، وجعلوا صفاته من جنس صفات المخلوقين،
ولذلك سموا ب (المشبهة)،
وأول من قال هذه المقالة
هو هشام بن الحكم الرافضي وبيان بن سمعان التميمي الذي تنسب إليه البيانية من غالية الشيعة؛ فالمشبهة غلوا في إثبات الصفات، حتى أدخلوا في ذلك ما نفاه الله ورسوله. ما لا يليق به سبحانه من صفات النقص، تعالى الله عما يقولون علوّا كبيرًا،
ومن هؤلاء ..
هشام بن سالم الجواليقي،
وداود الجواربي.
وقد نفى الله في كتابه مشابهته لخلقه، ونهى عن ضرب الأمثال له؛
فقال تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾.
﴿هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا﴾،
﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾،
﴿فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأمْثَالَ﴾،
فمن شبه صفات الله بصفات خلقه؛ لم يكن عابدًا لله في الحقيقة، وإنما يعبدون وثنا صوَّره له خياله ونحته له فكره؛ فهو من عباد الأوثان، لا من عباد الرحمن.
قال العلامة ابن القيم:
لسنا نشبه وصفه بصفاتنا ... إن المشبه عابد الأوثان
ومن شبه الله بصفات خلقه؛ فهو مشابه للنصارى الذين يعبدون المسيح بن مريم.
يقول العلامة ابن القيم:
من مثل الله العظيم بخلقه ... فهو النسيب لمشرك نصراني
وقال نعيم بن حماد شيخ البخارى رحمهما الله:
«من شبه الله بخلقه؛ فقد كفر، ومن نفى ما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله؛ فقد كفر، وليس فيما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله تشبيه».
٢ - المعطلة:
وهؤلاء نفوا عن الله ما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله من صفات الكمال، زاعمين أن إثباتها يقتضي التشبيه والتجسيم؛ فهم على طرفي نقيض مع المشبهة.
ومذهب التعطيل مأخوذ من تلامذة اليهود والمشركين وضلال الصابئين.
وأول من حفظ عنه مقالة التعطيل في الإسلام :
هو الجعد بن درهم في أوائل المئة الثانية،
وأخذ هذا المذهب الخبيث عنه الجهم بن صفوان وأظهره، وإليه نسبت الجهمية،
ثم انتقل هذا المذهب إلى المعتزلة والأشاعرة،
وهذه أسانيد مذهبهم، ترجع إلى اليهود والصابئين والمشركين والفلاسفة، وهم في هذا التعطيل متفاوتون.
-فالجهمية: ينفون الأسماء والصفات.
-والمعتزلة: يثبتون الأسماء مجردة من معانيها
وينفون الصفات.
-والأشاعرة: يثبتون الأسماء وسبع صفات فقط؛ هي: العلم، والحياة، والقدرة، والإرادة، والسمع والبصر، والكلام، وينفون بقية الصفات.
وشبهة الجميع فيما نفوه من الصفات أن إثباتها يقتضي التشبيه والتجسيم بزعمهم؛ لأنه لا يشاهد موصوف بها إلا هذه الأجسام، والله ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾؛
فتعين نفي الصفات وتعطيلها؛ تنزيها لله عن التشبيه بزعمهم، ولهذا يسمون من أثبتها مشبها.
ووقفوا من النصوص الدالة على إثباتها موقفين:
الموقف الأول: الإيمان بألفاظها وتفويض معانيها؛ بأن يسكتوا عن تفسيرها، ويفوضوه إلى الله، مع نفي دلالتها على شيء من الصفات، وسموا هذه الطريقة طريقة السلف، وقالوا: هي الأسلم.
الموقف الثاني: صرف هذه النصوص عن مدلولها إلى معان ابتدعوها، وهذا ما يسمونه بطريقة التأويل، وسموه طريقة الخلف، وقالوا: هي الأعلم والأحكم.
والرد على شبهتهم: أن نقول: لا ريب أن التمثيل
قد نطق القرآن الكريم
بنفيه عن الله - تعالى؛ كقوله تعالى:
﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾،
وقوله: ﴿هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا﴾ ،
وقوله: ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾،
وقوله: ﴿فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا﴾،
وقوله: ﴿فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأمْثَالَ﴾،
لكن مع نفيه سبحانه عن نفسه مشابهة المخلوقين أثبت لنفسه صفات الكمال؛ كما في قوله تعالى:
﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾ ،
فجمع في هذه الآية الكريمة بين نفي التشبيه عنه وإثبات صفتي السمع والبصر لنفسه؛ فدل على أن إثبات الصفات لا يقتضي التشبيه؛ إذ لا تلازم بينهما.
وهكذا في كثير من آيات القرآن الكريم نجد إثبات الصفات مع نفي التشبيه جنبا إلى جنب، وهذا هو مذهب السلف الصالح؛ يثبتون الصفات وينفون عنه التشبيه والتمثيل.