سرُّ المحاريب ومشهد الاجابة!♥️
مرَّ على المَشهد وقت طويل، ظننتني أضعت لقطة الذاكرة!
الكون في هدوءٍ تام، الليل أسدل ثوبه وغطَّى بشكل جيدٍ وجه العالم،
في ساعة الليل الأخيرة، في ساعة لاذ كل واحد فيها إلى مأواه وملاذه الذي يجد الأُنس بين يديه، يخفف عنه ويريحه من صخب الأيام وتزاحم الأشياء وثِقل الأحمال،
ولجأتْ هي مع هذهِ الثلة إلى بيت الله !
لما صبغ البلاء وجه أيامها بالسواد وأكل الحُزن زهرة آمالها، أتت تقصد بابه ترجو بعد العفو فرجا،
وأخذت تدعوه وتُنزل به الحاجات في اضطرارٍ أنهك من البكاء قلبها،
حتى أقعدتها شدة الزفرات ..
وحين بدت لها خيوط الفجر تُنسج في السماء، حشرت نفسها بين صفوف الصالحات،
أرخت ثوبها جيدا،
أقامت ظهرها،
وأبى رأسها إلا أن يكون مُطأطأً ..
كبّر الإمام لصلاة الفجر وكبرت معه،
ولا زال في صدرها من الدعوات ما ضاق له السحر،
وفتيل أوبة تنتظر ما يُشعله لتفيض العبرات وتُغسل الحوبات،
ويعود الأمل المفقود،
وإذ بالإمام يشرع بعد الفاتحة بآياتٍ أرغمن ظهرها على التقوُّس،
وزاد الحمل على أقدامها وبات كل ما فيها ينتفض:
(..كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا ٱلْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقًا ۖ قَالَ يَٰمَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا ۖ قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ ۖ إِنَّ ٱللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُۥ ۖ قَالَ رَبِّ هَبْ لِى مِن لَّدُنكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً ۖ إِنَّكَ سَمِيعُ ٱلدُّعَآءِ فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالحينَ)
أخذ الإمام يُعيد الآيات بصوت متحشرج وبرفع وخفض في إظهار لجلال الموقف وإعظاما لرب تلك المُعجزات وباريها.
بدا ذلك التكرار للآيات وكأنه يد تطرق أبواب السماء بإلحاح!
وكأن أبواب السماء فُتحت لها هي،
وجاءتها الملائكة بالبشرى وحطّت طيور الفرج أعشاشها على قلبها الجريح،
عندئذ حدثت نفسها وفي تلك الحالة من النشيج والبكاء من غير وعيٍ منها؛
أن الله قد استجاب..
وما أتى بها ليُسمعها هذه الآيات بعد قيام طويل ودعاء عريض؛ إلا ليُعْلِمها بسرِّ المحاريب كما علّم زكريا،
وليُبشّرها كما بشّره،
فهُنالك دعتْ هي ربها كما دعا هنالك زكريا ربه، والله يرزق من يشاء بغير حساب..
- لصاحبته