أو أن هذه أشياء افتراضية فقط ليس هناك شواهد عليها من الواقع؟ أليس السعوديون الآن يعجزون عن إخراج أمريكا من بلادهم، يوم دخلوا بحجة الحفاظ على أمن واستقرار المملكة في مواجهة العدو اللدود - كما يقال - العراق وصدام، وملؤوا بلدان الخليج العربي، والسعودية بوجودهم، وتواجدهم العسكري وقواعدهم الكثيرة وقطعهم البحرية، تحت حجة حماية هذه الدول من الخطر العظيم ضدهم إيران! ثم عرفوا أخيراً بأن إيران هي من يمكن أن تحميهم أما أولئك فهم كما قال الله عنهم: {أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ} (البقرة: 100) ها هم الآن هل يستطيعون أن يخرجوهم من بلادهم، وإذا ما حاولوا أن يخرجوهم من بلادهم أليسوا سيضطرون إلى أعمال مرهقة، وأعمال منهكة، وأعمال ثقيلة؟
هم في البداية من شكروهم على دخولهم، وهم من سيبكون، من سيبكون لوجودهم داخل بلادهم. هكذا يخدعون الشعوب، وهكذا يخدعون الحكومات، ولقد أخبرنا الله كثيراً عنهم بأنهم يخادعون، وأنهم يلبسون الحق بالباطل، فيقدم لك مَكره وعداءه وكيده ومؤامرته ضدك بصورة النصح، والحرص على المصلحة، والخدمة، والصداقة، لبس للحق بالباطل هم قديرون على صنعه، هم ماهرون في هذا من زمان.
ولنفترض أن الدولة عجزت في الأخير، حينئذٍ من سيكون الضحية؟ أليس هو الشعب؟ الشعب الذي خدع أيضاً وهو ينظر نظر دولته التي تٌخدَع أيضاً.
نقول لأنفسنا، ونقول للدولة، ونقول للكبار وللصغار: أن في كل ما نشاهد في البلاد العربية والإسلامية شواهد كثيرة يجب أن نأخذ منها العبرة، قبل أن نكون نحن عبرة للآخرين، يجب أن نأخذ منها ما يكشف لنا واقع أعداءنا. أو ليسوا يقولون الآن: أن أمريكا كشفت عن وجهها؟ هي تكشف عن وجهها ثم أنت من لا تزال قابلاً لأن تُخدع بها.
ثم إذا كان هناك مسؤول في الدولة هذه، أو في تلك الدولة، شأن الأمة العربية هو شأن واحد، إذا ما كان هناك مسؤول يرى نفسه مضطراً فلا يحاول أن يفرض واقع ضعفه على شعبه، إذا كان يرى نفسه هو أنه مضطر وهو ينظر إلى مصالحه، ينظر إلى نفسه أنه قد ثقل بممتلكاته، بقصوره بأرصدته في البنوك، بعهود، بمواثيق بينه وبين أولئك، فيرى نفسه أنه مضطر إلى شيء من هذا، وهو يعرف في قرارة نفسه أن فيه ضرراً على شعبه فلا يحاول أن يفرض ضعفه على الآخرين.
نحن نقول: هذه حالة سيئة حتى عند من يحملون الدين، واسم الدين أنه إذا كنت تطلب العلم وأنت ترى نفسك أنك تحمل نفسية ضعيفة. لا تقـرب العلم، لا تتعلم لتصبح في نظر الآخرين رجل دين، وحامل علم يُقتَدَى به؛ إنك حينئذٍ من سيصبغ دينه بضعفه، من سينعكس ضعفه على مواقفه الدينية. لا يجوز هذا حتى في العمل لله.
الذين يحملون رسالات الله هم نوعية معينه من قال الله عنهم: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ} (الأحزاب: 39).
وكم عانت الأمة قديماً وحديثاً ممن حملوا اسم الدين، وحملوا العلم علم الدين ولكنهم بأنفسهم الضعيفة انعكس ضعفهم كله على الدين فأضعفوا الدين في نظر الأمة، وأضعفوا الدين في واقع الحياة، وأضعفوا الأمة أيضاً بضعف نفوسهم، وكل ذلك بسبب ماذا؟ بسبب أن نفوسهم ضعيفة.
بل نحن نقول أحياناًً: أنه لا ينبغي لك أيضاً أن تجامع زوجتك في فترة يحتمل أن تحمل منك وأنت في حالة تحس بأن نفسيتك ضعيفة وهزيلة، ستنجب مولوداً ضعيفاً هزيلاً في روحيته ونفسيته وسينشأ نسخة منك.. الضعف يترك أثره في كل شيء، والله أراد لأوليائه أن يكونوا أقوياء، حينئذٍ من تكون مواقفهم قوية مـن يكون أولادهم أقوياء، ينجبون أقوياء ويقفون مواقف قوة، ويقولون قول الأقوياء، ويتحركون بقوة في كل مواقعهم؛ لأنهم ماذا؟ لأنهم أولياء للقوي العزيز، وكيف يكون الضعيف ولياً للقوي ويـبقى على ضعفه.
أوليس أي شخص منا إذا ما رأى نفسه أنه أصبح مقرباً عند شخص قوي، عند محافظ أو عند وزير أو عند رئيس أنه يرى نفسه قوياً؛ لأنه يرى نفسه ماذا؟ أنه أصبح ولياً مقرباً من رجل قوي.
الضعيف لا يصدق عليه بأنه من أولياء الله؛ لأن هذا هو شاهد من واقع الحياة، شاهد من واقع الحياة، لو كنت ولياً لله فإنك لا تضعف أبداً؛ لأنك ولي للقوي العزيز، ولهذا قال في هذه الآية: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (الحج: 40) وأنتم تسمون أنفسكم أولياء للقوي العزيز، وأنتم تستمدون قوتكم من القوي العزيز. فعندما تضعف فإنك فعلاً بعيد عن الله سبحانه وتعالى.