View in Telegram
لعلَّ بعدَ الغربتينِ فرحةً تدمعُ لها العينتين لعلَّ ما دفعنِي لكتابةِ هذا المقال هو توافق مشاعري الحالية المختلطة مع البيت الشعري: "الغربةُ لا تكونُ واحدةً، إنها دائمًا غُربات، غربات تجتمع على صاحبها و تغلق عليه الدائرة، يركض و الدائرة تطوّقه، عند الوقوع فيها يغترب المرء "في" أماكنِه و"عن" أماكنِه، أقصدُ في نفسِ الوقت". للشاعر مريد البرغوثي . ليس هناكَ أصعب على الإنسانِ من أن يملكَ اللاشيء بعد أن كان لديهِ كلّ شيء، فلا الدارُ دارِه ولا الحياةُ تمشي وفق تياره، الحربُ ابتلعت كلّ شيء، و كأن أحدًا أطفأ أنوارَ المدينةِ فجأةً ثم أخذ أهلَها إلى غرفةٍ ضيقة، حبسَهم فيها و ألقى بالمفتاحِ إلى المجهول، فلا هم يدركون ما يحدث ولا يعلمون سيحلّ بهم في الثانيةِ القادمة. يقولونَ أن الحياةَ مدرسةٌ، لكنني أخبركم و أنا في خضم غربتي أن الغربة مدرسةٌ أكبرَ و أحقر، فهي ليست بالبعد عن الأوطانِ فحسب بل أكثر، و إن كان البعدُ عن البلادِ غربة، فكيف بمن أُجبِر على الرحيلِ تاركًا وراءه أغلى من يملك تحت وطأة الحرب اللعينة؟إن كنت أنعت ما أعيشه الآن ب "الغربة " فهذا بدافع عزة نفسي عن وصفها بالمشردة. لا زالت لا تغيب عن بالي تلك اللحظة التي فرحتُ فيها كوني سأخرجُ و عائلتي من قفص الحرب لنحلقَ سويًا في سماءِ الحرية، لكن! و لأن لكل شيءٍ إذا ما تم نقصانُ لم يسمحوا لأبي بالسفرِ معنا، كسروا أجنحتي، قلبي و خاطري كيف لي أن أتركَ أبي حيث لا يوجد أمن ولا أمان، و أرحل لأنجو بروحي و أنا التي كنتُ أخافُ عليه حينما يخرجُ لشراءِ الطعامِ لنا، أو يخرج من المنزل ولو للحظات،فالحربُ لا تبالي بعزيزٍ أو غالي و هو أغلى عليّ من روحي و ذاتي. و أيُّ نجاةٍ هذه اقتُلِع فيها قلبي ليبقى مع أبي في غزة،" و لو أنهم فعلوا حقيقةً لكانَ عليّ أهون"، و تركوا معي روحي لتلعنني مرارًا على نجاةٍ تمزقها كل صباحٍ و مساء. سافرتُ مع أمي و إخوتي عنوةً ، في حين لم تكن تلك المرة الأولى التي نذهبُ فيها إلى وجهةٍ مجهولة و مكانٍ غير مرغوب، سافرنا على أمل أن يستطيعَ أبي اللحاق بنا بعدَ فترةٍ قصيرة لكنّ ذلك لم يحدث حيث أُغلِقت المعابر و غابت شمس الأمل لدي. بكيت مرارًا و تكرارًا لكنّ ذلك لم يجدي نفعًا و لم تكن دموعي كفيلة بإزالة المسافات بيني و بين والدي.في أول ليالي الغربة كنت أخشى النوم ليلًا و أستمر بمتابعة الأخبار لمعرفة ما يدور في البلاد؛ و ذلك لعلمي أن الليلةَ الواحدةَ في الحربِ تكافئُ عددًا لا يمكن إحصاؤه من الليالي الطبيعية. يقولون بأنّ الغربةَ ليست بالبعدِ عن الوطنِ فحسب إنما البعد عن الأحبة أيضًا غربة، و ها أنا أحترقُ كلّ يومٍ مرتين مرةً لبعدي عن والدي و أحبتي، و مرةً لبعدي عن غزة و التي لا تستبدلُ بكنوزِ الدنيا و ما فيها. ليس منا أحدًا لم يعاني أو يفقد في هذه الحرب سواء أكانَ فقدًا ماديًا أو معنويًا و أعتقد أن هذا أحد أهدافها، فأنا عشتُ في الحربِ ستةِ أشهرٍ، نزحتُ فيها مع عائلتي ثلاث مرات لكني لم أشعر بأي منهم بعدم تكيف مع الأجواء أما عندما اضطررت إلى الرحيل خارجًا فتغيرت الموازين، شعرتُ بقيمةِ البلاد و تجرعتُ كأسَ الغربةِ و التي ليست كأيّ غربة إنما هي خيارٌ سببه العجز و انعدام الخياراتِ الأخرى حتى أنني صورتُ رحيلنا بدافعِ الهروب من الموت بأحدٍ اختطف طفلًا رضيعًا من أمه ثم منَّ عليها بأن تركها على قيد الحياة و لم يقتلها فلا هي تطيق الحياة لبعده ولا سبيل لديها سوى أن تحيا على أمل اللقاء بطفلها يومًا. - مقال من أحد المتابعين.
Love Center - Dating, Friends & Matches, NY, LA, Dubai, Global
Love Center - Dating, Friends & Matches, NY, LA, Dubai, Global
Find friends or serious relationships easily