كنت أعرّف الطلاب بكتاب الفهرست للنديم فقرأنا منه نموذجا فصادف أن كان ترجمة ابن مجاهد صاحب كتاب السبعة في القراءات ويقال فيه أول من سبع السبعة فذكر من تآليفه كتاب قراءة نافع وكتاب قراءة ابن كثير وكتاب قراءة النبي صلى الله عليه وسلم فقلت لهم لو وقف ساذج جاهل بتاريخ العلوم الإسلامية فسيقول قراءة النبي صلى الله عليه وسلم أولى وأفضل من قراءة نافع وأمثاله هذا ما يبدو لأول وهلة وبمقتضى النسبة كأن قرءات هؤلاء ليست قراءة النبي صلى الله عليه وسلم مع أن قراءاتهم هي قراءته ولكنها بلغتنا عنه بطريق التواتر والقراءة المنسوبة إليه بلغتنا بطريق أحاديث الآحاد قلت لهم هذا بالضبط مثل أن يقف امرؤ على حديث واحد من أحاديث الآحاد فيبني عليه حكما بزعم أنه اتباع للسنة وخير من المذاهب المتبوعة وآراء الرجال وما درى أن المذاهب مبنية على مجمل الأدلة الكثيرة وعلى الاجتهاد الجماعي وترديد الأنظار الكثيرة في المسألة وأدلتها حتى بالقياس إلى الإمام لأن مذهبه مبني على علمه وتمحيصه لآراء شيوخه ومعاصريه ومناقشة تلاميذه. ومن هنا تعرف خطورة ما سمي بفقه السنة وفقه الدليل لأنه إسقاط لكل العمل العلمي في الأدلة لمئات السنين والتخلية بين العقل المعاصر المهزوم فكريا وعسكريا ونفسيا وبين الأدلة الشرعية من غير مراكمة علمية تنمي طبيعيا كنماء الشجرة الضاربة جذورها في الأرض