يا رسول الله!
لقد غاب حرفي طويلًا عن روضتك، وعاد اليوم بتردّدٍ لكنه محتاج.
أحنُّ للحنينِ إليك، واشتقتُ لشعور الحبِّ الدفّاق القديم لك، وللعيش في رعايتك وقربك.
وما أمَرّ من شيءٍ على المحبّين كالجفا، ولا آلام من الهجر.
يكوينا كيًّا الهجر يا سيدي.
لكن تبقى العين عند ذكرك لا تملك من دَفْقِ الحنينِ حبسَ الحنين، ويبقى القلب يزداد خفقانًا حين يسمع اسمك أو يقرأ آيةٍ فيها محمد -صلى الله عليك- وتبقى القشعريرة تسري فينا كلما تحدّثنا عنك بقلوبٍ أذابها البعد والمسافات، حتى غيَّبَنَا فرط الشوق لك عمّن نحدّثهم.
نحزن حين نقصّر في سنتك، حين نغيب عنك، حين نعرف أننا الآن لا كما تحبّ، ونموت خوفًا من أن ينقص حبك فينا أو أن نقصّر في حمل همّك ورايتك البيضاء العليا للعالمين.
ولو رأيتَ قلبي يا رسول الله يا وضيء اليوم، وهو يتأمّل مسجدك النبويّ من وراء الشاشات.
كميتٍ يرنو لمقعده في الجنة مشتاق، للحظة دخولها بسلام.
نبيُّنا نبيُّنا...
ويحنُّ فينا كل شيء مع كل كلمةٍ ليّنة وجّهتها للصحابة وعاشوها وسندتهم عمرهم، مع كل موقفٍ يحلّقُ فيه الدمع نديّا، لأن نكون نحن بطل القصة، ولو في منام.
من ورقِ الخريف اليابس في قلبي الذي اشتاق أن يعود غصنًا أخضرَ طريًّا بين يديك؛ أرسل لك رسائلي ومِداد حنيني، وأنّات حزني، واحتياجي إليك.
صلّى الله عليك.
فكم من أيامٍ فَتَرنا، وجاهدنا أنفسنا ثم انهزمنا، وتبنا ثم عدنا ثم أُبْنا، واختفى البريق من أعيننا، وعبسَ الوجود، وامتلأ الكون بالشحوب، ثم التفتنا حولنا نهرعُ نبحث عنك مثل سلمان الفارسي حين أمضى عمره يبحث عنك، في رحلتنا الطويلة نبحث عنك، وحُقَّ له بعد معاناة السنين حين وجدك أن ينكبَّ عليك يضمك ويبكي.
لقد وجد نفسه، لقد وجد قلبه، لقد وجد سَعدَه في الدارين.
وانطوى...
تحت جناحكَ انطوى فطار لفوق ما يتمنّى.
كل شيءٍ فيَّ يحنّ، وهذي الكتب بما فيها من أحاديث كلها لا ترحمني، المشتاقُ يبقى مشتاق، وما دواء كل مُحِبٍّ إلا حبيبهُ.
فقط.
نور عدنان الزرعي