View in Telegram
أحب أن تعلم أخي القارئ، أن هذا الكلام الذي سأسوقه إليك، منذ أن وقفتُ عليه، أتحين أن أُمَهَّد له وأبحث عن أبواب لتيسيره لك، ولم يتيسر لي هذا.. أقول أحيانا: هل كان أئمتنا عباقرة إلى هذا الحد، أم نحن الذين انقرضت العبقرية في عصرنا.. أم أن الأمر واضح يحتاج إلى عبقرية ولكن شدة ما نزل بنا من التجهيل والغباء قد فعل بنا هذا كله، وجعل الأمور الواضحة الساطعة الحارقة اللاهبة -رغم هذا كله- مشوشة مغبشة؟!! هذا نصٌّ من كلام الإمام الطرطوشي في كتابه الشهير "سراج الملوك"، يتكلم فيه عن الأهمية القصوى للسلطان العادل، وعن المصيبة العظمى للسلطان الجائر. تخيل: اليوم الواحد من الحُكْم العادل أفضل عند الله من جهاد سنة!! وأفضل من عبادة العمر كله!! ألا يبدو هذا لك من المبالغة؟! حسنا.. ألا ترى إلى غزة وطوفان الأقصى فيها، وإلى السودان وما فيها من النكبات، ومن قبلها: ألا ترى إلى الشام وما حلَّ بها من المذابح.. وغيرها وغيرها.. ألا ترى الأمة المليارية كيف حُبست في "أقفاص" تُسمَّى أوطانًا، وقد قام على كل قفصٍ منها حاكم يحبس الناس ويسيطر عليهم.. فإذا بالأمة المليارية لا تملك غير البكاء والعويل، وهم يرون أبناءهم وبناتهم يُذبحون ذبحا ويُطحنون طحنا ويُسحقون سحقا، ويموتون من الجوع والمرض والتعذيب والتنكيل والإذلال؟! دعك من هذا.. ألا ترى إلى أن كثيرا من أهل الأقفاص المحبوسين، لما تحققوا من عجزهم وقلة حيلتهم، لم يستطيعوا أن يواصلوا المشاهدة، فانصرفوا عنها، وشغلوا أنفسهم بحديث الكرة والغناء والمسلسلات.. يدارون بهذا عجزهم وضعفهم!! دعك من هذا.. ألا ترى إلى أن كثيرا ممن لم تسمح لهم بعض شؤونهم بالانصراف، حملهم عجزهم وقلة حيلتهم وخوفهم على أنفسهم أن يصوبوا سهام طعنهم ونقدهم للصفوة المجاهدة، يتهمونهم أنهم أقدموا على عمل كبير عظيم قتلوا به أنفسهم وأهلكوا به أهلهم؟!! قد يسألني سائل: وما أدراك أن هؤلاء الذين انصرفوا للهو والغناء قد انصرفوا لقلة حيلتهم وعجزهم؟ إنما هؤلاء هم أصل البلاء والداء، وإذا هم أصلحوا أنفسهم فسيصلح الحال. وقد يقول قائل: وما أدراك أن هؤلاء الذين انقلبوا على أنفسهم يطعنون الصفوة المجاهدة قد فعلوا ذلك جراء عجزهم وقلة حيلتهم؟.. بل هؤلاء هم أصل الفساد الذين ينطقون بالباطل ويخافون أن ينطقوا بالحق! أستطيع أن أجيبك بكلام كثير، وأستطيع أن أذكرك بأن هؤلاء حين أتيحت لهم فرص حقيقية للعمل كانوا من العاملين، وتذكر أيام الثورات العربية مثلا.. لكنني لن أفعل.. ولن أدافع عن نفسي، ولن أدافع عنهم.. دعني أسألك أنت.. أنت أنت.. ألا ترى أن لو لم تكن في قفص هذه "الأوطان" وفي زنازين هذه "الأنظمة" كنتَ أنتَ ستفعل لغزة وللسودان وللشام ولغيرها أكثر بكثير مما تفعله الآن، ومما تستطيع أن تفعله؟! أظن أن الجواب واضح.. لا شك فيه! والآن، بعد أن أطلتُ الكلام.. اقرأ هذا النص للإمام أبي بكر الطرطوشي، وتذكر أن عمر هذا الكلام الآن تسعمائة سنة!! وقد رَقَّمْتُه واختصرتُ منه تسهيلا وتيسيرا قال الطرطوشي: 1. روى أبو هريرة رضي الله عنه يرفعه قال: لَعَمَلُ الإمام العادل في رعيته يوماً أفضل من عبادة العابد في أهله مائة سنة أو خمسين سنة. 2. وقال قيس بن سعد: لَيَوْمٌ من إمام عادل خير من عبادة رجل في بيته ستين سنة. 3. وقال مسروق: لأن أقضي بالحق يوماً أحب إلي من أن أغزو سنة في سبيل الله. 4. وقالوا لسعيد بن سليمان بن زيد بن ثابت: لَقَضَاء يوم بالحق أفضل عند الله من صلواتك عمرك. وسيتضح لك صحة هذه الأقوال إذا وقفت على ما نالته الرعية من الصلاح بصلاح السلطان. 5. اعلم أرشدك الله أن الإنسان أعز جواهر الدنيا وأعلاها قدراً وأشرفها منزلة، وبالسلطان صلاح الدنيا، فهو إذا أعز أعلاق الدنيا وأعمها نفعاً وبركة. ولذلك خلق الله تعالى دارين: دار الدنيا ودار الآخرة، ثم كان السلطان صلاح الدارين، فأخلق بشخص يعم نفعه العباد والبلاد ويصلح بصلاحه الدنيا والآخرة 6. وعلى قدر عموم المنفعة تشرف الأعمال، وعلى قدر النعمة تكون المنة. ألا ترى أن الأنبياء عليهم السلام أعم خلق الله تعالى نفعاً، فهم أجل خلق الله قدراً لأنهم تعاطوا إصلاح الخلائق، وإخراجهم من الظلمات إلى النور 7. وكذلك سلطان الله في الأرض هو خليفة النبوة في إصلاح الخلائق، ودعائهم إلى فناء الرحمن وإقامة دينهم وتقويم أودهم. 8. وليس فوق السلطان العادل منزلة إلا نبي مرسل أو ملك مقرب. 9. وكما أنه ليس فوق رتبة السلطان العادل رتبة، لأن خيره يعم، كذلك ليس دون رتبة السلطان الشرير الجائر رتبة لشرير لأن شره يعم. 10. وكما أن بالسلطان العادل تصلح البلاد والعباد، وتنال الزلفى إلى الله تعالى والفوز بجنة المأوى. كذلك بالسلطان الجائر تفسد البلاد والعباد وتقترف المعاصي والآثام وتورث دار البوار،
Telegram Center
Telegram Center
Channel