وإذا عُرِف أنّ لذّات الدنيا ونعيمها متاع ووسيلة إلى لذّات الآخرة، ولذلك خُلقت الدنيا ولذّاتها، فكلّ لذة أعانت على لذة الآخرة وأوصلتْ إليها لم يُذَمَّ تناولُها، بل يُحمَد بحسب إيصالها إلى لذّة الآخرة.
وإذا عُرِف هذا، فأعظمُ الأسباب التي تُحصِّل هذه اللذّةَ هو أعظمُ لذّات الدنيا على الإطلاق، وهو لذّةُ معرفته سبحانه ولذّةُ محبته، فإن ذلك هو جنّة الدنيا ونعيمها العالي؛ ونسبةُ لذّاتها الفانية إليه كتَفْلةٍ في بحرِ، فإنّ الروح والقلب والبدن إنّما خلق لذلك. فأطيبُ ما في الدنيا معرفتُه ومحبّتُه، وأنشد ما في الجنّة رؤيتُه ومشاهدتُه. فمحبّتُه ومعرفتُه قرّة العيون، ولذة الأرواح، وبهجة القلوب، ونعيم الدنيا وسرورها. بل لذّاتُ الدنيا القاطعةُ عن ذلك تنقلب آلامًا وعذابًا، ويبقى صاحبها في المعيشة الضَّنْك، فليست الحياة الطيبة إلا بالله.
ابن القيم | الداء والدواء