ها هوَ الآن جالسٌ في المسجد ، بين دفّتي مصحفه، بعد غيابٍ طال زمنًا لم يكُن يحتسبه من عمرِه، وقد أرخى على وجهه شيئا من عمامته، لا يريدُ أن يُعرف أو أن يكلم أحدا، رفع رأسه ببطء وأخذَ نظرةً خاطفةً للنّاس في المسجد، هذا يسجدُ، وذاكَ يدعو، وآخَر يترنّم بالآيات بصوتٍ حانٍ ويسمّعُ لشيخه، نَعم؛ هو ينتمي إلى هُنا،
ولكن لِمَ هو بهذا الضعف ؟، طأطأ رأسه وعاودَ النّظر في مصحفه، مدّ يده ملامسًا صفحاته، شيءٌ من النّور يداعبُ أنامله، أغمضَ عينيه وتنهدَ تنهيدةَ تائبٍ أهلكته الذنوب،
وحده مع الله..
في بقعةٍ في بيتٍ من بيوتِ الله، هو جالسٌ أمامَ كلامِ الله..
بدأ يقرأ وردَهُ من القرآن، فانكشفت له الأسرار وانعكس بريقُ الآيات على وجهه المسود بياض، في كلّ حرفٍ أجر، وفي كل آية معنى مضيء ورسالة، بدأ يغسلُ قلبه المُتعب بالأنوار، فنسيَ نفسه وطالَ حالُهُ لساعات، فغدَت الرّوحُ سماويّة، تتمايلُ وتشعّ نورًا في هذه البقعة فأهدته الدفء والحُبّ ، فغدَت كأنها بقعةٌ تحتَ مظلةٍ حنونة في مدينةِ الحبيب، وقد همسَ حبيبٌ لحبيب، فعرّش السّرور على قلبه،قد كان محتاجًا ليتنفسَ القُرآن، كانَ فارغا مكسور،فخلا بربّه فصارَ ممتلئًا بالحُبّ ومجبورا..🤍
-مودّة