قناة خطباء المنبر الحسيني للقصائد

#مسلم
#مصيبة_الليلة_الخامسة من محرم


غربة سفير الحسين (عليه السلام)

نعم وجرت الأحداث المريرة وخذلان الناس لمسلم (عليه السلام)، فصلى المغرب وما معه إلَّا ثلاثون نفساً في المسجد، فلما رأى انه قد أمسى وليس معه الا أولئك النفر خرج متوجها إلى أبواب كنده فلم يبلغ الابواب الا ومعه عشرة ثم خرج من الباب فإذا ليس معه انسان فالتفت فإذا هو لا يحس احدا يدله على الطريق ولا يدله على منزله ولا يواسيه بنفسه إن عرض له عدو فمضى على وجهه غريباً متحيراً في أزقَّة الكوفة لا يدري أين يذهب.
فمضى حتى أتى إلى باب امرأة يقال لها طوعة، فسلم عليها ابن عقيل فردت عليه السلام وطلب منها ماء فسقته وجلس ودخلت ثم خرجت فقالت : "يا عبد الله ألم تشرب؟" قال : (بلى)، قالت : "فاذهب إلى أهلك" فسكت ثم أعادت مثل ذلك فسكت ثم قالت في الثالثة : "سبحان الله يا عبد الله قم عافاك الله إلى اهلك فأنه لا يصلح لك الجلوس على بابي ولا أحله لك".

طلعت جاريه من الدار
موجب شافته اعلى الباب
رادت تگرب اتنشــده
لاجن غدت منه اتهــــاب
لمّن شافــــها مســــلم
من عدها العذر مرتــاب
گاللها اريدن ماي
حر العطش فت احشاي
گالتله بوسط عيناي
جابته وشرب منه
وصارت وگفته يمها

گالتله ارشـــد ابنيـتك
موجـــب لا تضـل عالبـاب
تدري الحـــرم متأمن
ومن الاجنـــــبي ترتــــاب
شوف الليل يوليـــدي
ذبله اعلى الوسيعه احجاب
وأخاف الناس تتعده
تگول الموجب اشعنده
عليها من العرب نگده
وتدري العرب يوليدي
تحافظ هن محارمها

فقام وقال : (يا أمة الله مالي في هذا المصر أهل ولا عشيرة فهل لك في اجر ومعروف ولعلي مكافيك بعد هذا اليوم؟) قالت : "يا عبد الله وما ذاك؟" قال : (أنا مسلمُ بن عقيل كذَّبني هؤلاء القوم وغرُّوني وأخرجوني).

قالت : "انت مسلم؟" قال : (نعم) قالت : "ادخل" فدخل إلى بيتٍ في دارها(١).

هله بريحة حسين وحامي الاسلام
هاي الدار واهل الدار خدام
عمت عيني عليك ولا لك اعمام
وهذا الجيش كله اعليك يفتر

يكللها غريب ولا لي احباب
وكلبي من التعب ومن العطش ذاب
سفير حسين انا فتحي الباب
وخليني بستر دارج اتستر

أدخلته الدار رحبت به، وعرضت عليه الطعام فأبى، ثم طلب ماء فتوضأ وما زال قائما وقاعدا وراكعا وساجدا حتى ابنلج عمود الفجر.
لكن ابن طوعة عند الصباح أعلم ابن زياد بمكان مسلم ، فأرسل ابن الأشعث في سبعين من قيس ليقبض عليه ، ولمّا سمع مسلم وقع حوافر الخيل ، عرف أنّه قد اُتي فعجّل دعاءه الذي كان مشغولاً به بعد صلاة الصبح ، ثمّ لبس لامته وقال لطوعة : (قد أدّيتِ ما عليك من البِرّ ، وأخذتِ نصيبك من شفاعة رسول الله ، ولقد رأيتُ البارحة عمّي أمير المؤمنين في المنام وهو يقول لي : أنت معي غداً).

انهض لفاك الكوم يا حيد
يريدون يولونك يصنديد
اريدك مراجل عمك اتعيد

يكلها يطوعه تشجعيني
وبعمي حيدر تذكريني
انا ما دام صمصامي بيمين
بعزم الله ارد جمع اليجيني

وخرج إليهم مُصلتاً سيفه ، وقد اقتحموا عليه الدار فأخرجهم منها ثم حملوا عليه الثانية فشد عليهم وأخرجهم أيضا(٢)، ثم خرج اليهم هو يقول :

هو الموتُ فاصنعْ ويكَ ما أنتَ صانِعُ
فـأنت بكأس الموت لا شك جارعُ

فـصـبراً لأمـرِ الله جـــــلَّ جـلالُـــــه
فـحكمُ قـضـــاءِ اللهِ فـي الخَلْقِ ذايعُ

فقتل منهم واحداً وأربعين رجلاً، أنفذ ابن الأشعث إلى ابن زياد يستمدّه الرجال ، فبعث إليه اللائمة ، فأرسل إليه : "أتظنّ أنّك أرسلتني إلى بقّال من بقّاليّ الكوفة أو جرمقاني من جرامقة الحيرة؟ وإنّما أرسلتني إلى سيف من أسياف محمّد بن عبد الله "، فمدّه بالعسكر، ثم اشتدّ القتال حتى أشرفوا عليه من فوق ظهر البيت يرمونه بالحجارة ويلهبون النّار في أطنان القصب ويلقونها عليه ، فشدّ عليهم يقاتلهم، وأثخنته الجراحات ، وأعياه نزف الدّم ، فاستند إلى جنب تلك الدار ، فتحاملوا عليه يرمونه بالسّهام والحجارة ، فقال : (مالكم ترموني بالحجارة كما تُرمى الكفّار ، وأنا من أهل بيت الأنبياء الأبرار ، ألا ترعون حقّ رسول الله في عترته ؟) .
وكأني بطوعة تنظر الى ضيفها وقد جرى عليه ما جرى حتى مضى شهيدا .


تنادي ولا فزع وياك مسلم
وطفلك من سهام اعداك مسلم
اويلي من الكصر ذبوه مسلم
وسحب سحبوه جثة اعلى الوطيه

فكن مسلماً برَّاً تقيّاً كمسلمٍ
سليلِ عقيلٍ ذي العلى والسَّوابِقِ

____
(١) لواعج الاشجان في مقتل الحسين عليه السلام للسيد محسن الأمين العاملي ص: ٦١_٦٢
(٢) مروج الذهب للمسعودي ج٢ _ ص : ٧٢
(٣) مقتل الحسين عليه السلام للسيد المقرم ص١٦٠ _ ١٦٢

مراثي الأطهار عليهم السلام