خَلِّ الذنــوبَ صَــغيــرَها وكَبيــــــرَها ذاكَ التُقى ...واصنَع كَمَاشٍ فوقَ أرضِ الشَـوك يَحْــذرُ مــــا يــَـرى ...لا تحقِرنَّ صغيـــــــــرةً إنَّ الجِبـــالَ مِن الحَصــى
وهي إخوة الإسلام قيمة تغرس في القلوب وتصطبغ بها الأرواح فتنعكس صلاحا على أحوال الإنسان كلها ظاهرها وباطنها وفي كل مجالات حياتها ، وتأملوا معي صفات المتقين في القرآن تجدون فيها تلك الشخصية المتكاملة المصنوعة في مصنع التقوى ، في فاتحة سورة البقرة قال الله عن صفاتهم (الم * ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتّقين *الّذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصّلاة وممّا رزقناهم ينفقون*والّذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون)
وفي ثناياها قال (ليس البرّ أن تولّوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكنّ البرّ من آمن بالله واليوم الآخر والملآئكة والكتاب والنّبيّين وآتى المال على حبّه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السّبيل والسّآئلين وفي الرّقاب وأقام الصّلاة وآتى الزّكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصّابرين في البأساء والضّرّاء وحين البأس أولئك ألّذين صدقوا وأولئك هم المتّقون).وفي سورة آل عمران يقول الله عنهم (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ، الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ، وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ، أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ) ، وفي سورة الليل (وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى ، الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى ، وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى ، إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى ، وَلَسَوْفَ يَرْضَى).
فأوّل صفات المتّقين الاهتداء بالقرآن والنزول على أحكامه والوقوف عند توجيهاته ، ومن التّقوى تجديد الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشرّه.
ومن التّقوى أن يخرج المسلم زكاة ماله كاملة غير منقوصة متعبدا بها إلى الله عز وجل ، ينفقها في مصارفها الثمانية وأهم هذه المصارف الفقراء والمساكين والنفقة في سبيل الله دعما للجهاد ومتطلباته وللمجاهدين واحتياجاتهم ، وأن ينفق من أحبّ ماله زيادة على الزّكاة المفروضة يرعى بها ذوي القربى واليتامى والمساكين والسائلين ، وأحق الناس اليوم بالنفقة المجاهدون وعوائلهم وأسرهم ، وأسر الشهداء والجرحى والمعاقين والمعتقلين والنازحين والمشردين
ومن التّقوى أن تقيم الصلاة المفروضة وأن تؤدي السنن الراتبة وأن تكثر من النوافل لا سيما صلاة التراويح والتهجد ، وبهذا وصف الله المتقين (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ، آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ ، كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ ، وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه ...
الخطبة الثانية : الحمد رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد : ومن مظاهر التّقوى أيها المؤمنون التخلق بالأخلاق الفاضلة كالوفاء بالعهود والوعود والعقود والاتفاقات ، والصّبر والتحمل على ما يصيب المسلم من ضيق في المعيشة وشدة في المؤنة ، وأمراض وأسقام وإصابات في نفسه وماله وأهله ، ومن التقوى الصّبر والثّبات في مواطن الجهاد في سبيل الله لإعلاء كلمة الله والانتصار للدين والعرض والوطن مهما طال الزّمن أو اشتدّت الأزمات أو عظمت المؤامرات والخيانات ، ومهما حصل من تخاذل أو تساهل ومهما كانت التضحيات فهذه طبيعة الجهاد التي لا تنفك عنه ولهذا قال ربنا عز وجل (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) ، وقال : (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) وقال (والصّابرين في البأساء والضّرّاء وحين البأس أولئك ألّذين صدقوا وأولئك هم المتّقون)