View in Telegram
المهيمن "وإنما قيامه عليهم باطِّلاعه واستيلائه وحفظه، وكل مشرفٍ على كُنْهِ الأمر مستولٍ عليه حافظ له، فهو مهيمنٌ عليه، والإشراف يرجع إلى العلم، والاستيلاء إلى كمال القدرة، والحفظ إلى الفعل، فالجامع بين هذه المعاني اسمه المهيمن، ولن يجتمع ذلك على الإطلاق والكمال إلا لله عزَّ وجلَّ " وهذا من أحسن ما قيلَ في اسم الله المهيمن. "وأصل الهيمنة: الحفظ والارتقاب، تقول: هيمن فلان على فلان إذا صار رقيبًا عليه..."   متى قرأتَ قصص القرآن الكريم، رأيتَ تَجَلِّي اسم الله (المهيمن)، لما أراد الله تعالى إهلاك فرعون وقومه، والتمكين لموسى في الأرض.   قال تعالى: ﴿ وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ ﴾ [القصص: 7]؛ لكن كيف لأمٍّ أن تُلقيَ فلذة كبدها وثمرة فؤادها في اليم؟ الجواب: المهيمن (جل جلاله) هيمن على قلبها، فقذف فيه صبرًا وسكينة؛ فأطاعت وألقت طفلها في التابوت، ثم ألقته في اليمِّ!   ثم كادت أن تُبديَ به، لولا أن هيمن الله على قلبها كذلك فكتمته، كما قال تعالى: ﴿ وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [القصص: 10]، ثم هيمن الله على ذاك التابوت؛ فاستقرَّ عند قصر فرعون، فأراد الحرس قتل موسى، فهيمن الله على قلب امرأة فرعون؛ فخرجت قائلة لفرعون وجنوده: ﴿ وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ﴾ [القصص: 9]، وهيمن الله تعالى على فرعون، فخرج من جبروته وطغيانه لحظة أطاع فيها زوجته، ولبَّى رغبتها، ليربيَ بذلك عدوه في بيته!   ثم لما أراد الطفل (موسى) الرضاع، هيمن الله على قلبه؛ فأبى أن يلتقم ثديَ امرأةٍ إلا أمَّه، كما قال عزَّ من قائل: ﴿ وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ * وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ * فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [القصص: 11 - 13].   فحين يهيمن المهيمن جلَّ جلاله على القلوب والعقول، والأحوال والأمور، تستشعر قوله تعالى: ﴿ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [يوسف: 21].   • ﴿ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ﴾: قال عز من قائل: ﴿ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ﴾ [المائدة: 48]، فالقرآن مهيمنٌ على الكتب قبله، فقد جاء بأحسنِ ما فيها، ونسخ منها ما نسخ، وقصَّ على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون؛ فأظهر تحريفهم، كما أظهر الحق الذي عندهم.   وإذا كان القرآن قد هيمن على ما قبله من الكتب، فينبغي أن يكون مهيمنًا على مَنْ أُنزل إليهم، أن يكون مهيمنًا على قلوبهم وسائر أحوالهم، ينبغي أن يعتنوا به، ينبغي أن يتحاكموا إليه ويعملوا به ويتعايشوا معه، ويرفضوا ما سواه؛ ولهذا لما قال الله تعالى: ﴿ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ ﴾ [المائدة: 48]، قال بعدها: ﴿ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ﴾ [المائدة: 48].   فلو هيمن هذا الكتاب على حياتك، فاتبعت ما جاء به، وعملت بما فيه، وتحاكمت إليه وأحسنت صلتك به، فقد فزتَ فوزًا عظيمًا؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ [يونس: 57، 58].   #مبادرة_من_أحصاها
Telegram Center
Telegram Center
Channel