*سلسلة قصصية بعنوان:*
*انفاس الغيب وبعثة المختارين*
________
*القصة(1)*
*"ظل الطفولة المحترقة"*
في زوايا مدينة غارقة في ضوء الخريف، حيث تلتقي الألوان الذابلة بالأفق الرمادي، يعيش طفل صغير يدعى آيار. لم يتجاوز عمره الثامنة، لكن الحياة أودعت في قلبه همومًا يفوق عمره. نشأ آيار في ملجأ ضيق، حيث تروي صرخات الليل قصصًا من الألم والعزلة. كل لحظة في حياته كانت محاولة لاستعادة بقايا الأمل في عالم مليء بالظلام.
عاش آيار حياة قاسية منذ ولادته، فقد فقد والديه في حادث مأساوي، وأصبح وحيدًا في ملجأ ضيق تحيط به جدران متهدمة تحكي قصص الصمت والجروح غير المرئية. في المدرسة، كان زملاؤه يتجنبونه، حيث كان يُنظر إليه كشخص مختلف، غير قادر على إحداث فرق في عالم لا يهتم إلا بالقوي. الشياطين والجن كانوا يحيكون خيوطًا خفية، مدفوعين بهدف إبقاء آيار غارقًا في دوامة من الخوف والضعف. حاولوا، من خلال الألم المستمر، أن يزرعوا في قلبه الشعور بالعجز، ليبقى قابعًا في ظل يأس دائم. ورغم كل ذلك، كانت هناك شرارة خفية في أعماق آيار، لم تدركها عوالم الظلام.
كل مرة حاول آيار أن يخرج من ظلمات حياته، واجه تجارب كانت تضيف إلى معاناته. كان يتعرض للسخرية والإهانة، ويجد نفسه في مواجهة متكررة مع مشاعر الوحدة العميقة. في أوقات الإحباط، كان يسترجع ذكرى والديه، متسائلًا لماذا يتحمل كل هذا الألم؟ كيف يمكن لطفل صغير أن يتجاوز هذه الصعوبات؟ لكن رغم كل شيء، كان هناك شعور داخلي يدفعه للاستمرار، شعور لا يستطيع تفسيره ولكنه يُشعره بالأمل.
ثم جاء اليوم الذي تغير فيه كل شيء. في إحدى الليالي المظلمة، بينما كان آيار يتأمل في السقف البالي لغرفته، تلقى رؤيا غامضة. سحاب كثيف يتكاثف ليكشف عن ضوء لامع، يظهر له شخص غير معروف يتحدث بصوت هادئ ومهيب، مؤكداً له أن ألمه كان جزءًا من امتحان أعمق. أُرسل له لمسة خفيفة من نور، أضاءت روح آيار وكشفت له عن قدرته الحقيقية.
في تلك اللحظة، أدرك آيار أن كل معاناته كانت جزءًا من خطة إلهية. كل ألم، كل صراع، كان يحفر في روحه لتظهر صفته الحقيقية. في مواجهة مع الشياطين التي حاولت تثبيطه، ظهرت له القوة التي كانت مدفونة في داخله: شجاعة لم يعرفها من قبل، شجاعة أظهرت في اللحظات الحرجة.
ومع مرور الأيام، اكتشف آيار أن الشجاعة التي تم كشفها في اللحظة الأخيرة كانت دائمًا موجودة في داخله، وإنه لم يكن مجرد طفل يتيم يواجه البؤس، بل كان لديه قوة غير مرئية أدركها الآن. وعندما جاءته اللحظة الحاسمة، لم يعد مجرد صدى لضعف، بل أصبح رمزًا للشجاعة التي تعبر عن قوة الروح في مواجهة الظلام. وعبر بصوته القوي، قال:
"اليوم عرفت من أنا. عرفت أن كل ألم، كل محنة، كانت لتكشف لي قوتي الحقيقية. الشجاعة التي كانت مدفونة تحت معاناة الحياة لم تكن سوى بداية لقصة جديدة. أنا الآن أدرك أن النور يأتي بعد الظلام، وأن الشجاعة تكمن في قلب كل إنسان، مهما كانت التحديات. ما عانيته لم يكن عبثًا، بل كان جزءًا من خطة كبرى. واليوم، أبدأ رحلتي الجديدة كرمز للشجاعة، مستعدًا لمواجهة أي ظلام، بفضل النور الذي أضاء دربي."
هذه القصة ليست سوى بداية رحلة آيار في اكتشاف ذاته. في "ظل الطفولة المحترقة"، لم يكن الألم سوى بداية لكشف قوة غير محدودة، ودرسًا أن النور دائمًا يأتي بعد الظلام، وأن كل معاناة تحمل في طياتها بذور القوة الحقيقية.
مرت السنوات، وكبر آيار ليصبح شابًا قويًا ومثابرًا. حياة اليتم التي عاشها في ملجأ ضيق، وتحمل الصعاب، لم تذهب سدى، بل صنعت منه إنسانًا ناضجًا قويا قادرًا على مواجهة تحديات الحياة بشجاعة. ومع تقدم العمر، بدأت تظهر في حياته إشارات توحي بأن رحلته لم تنتهِ بعد، بل كانت بداية لفصل جديد.
من خلال دراسته وتأملاته، اكتشف آيار أن النور الذي أضاء دربه لم يكن مجرد إلهام عابر، بل كان رمزًا لحب أعمق وأقدس. تدريجيًا، أدرك أن هذا النور كان تجسيدًا لحب الإمام الحسين (عليه السلام) ومعانيه السامية. بدأ في رحلة روحية أعمق لاستكشاف تعاليم الإمام الحسين، وتأمل في قصة صبره وتضحياته، وكيف أن كل اختبار ومحنة كان لهما معنى أعمق في سياق الإيمان والروحانية.
في قلب رحلته الروحية، وفي قلب يفوع الشباب بدء آيار إنشاء أسرة شاركته شغفه وتطلعاته. تزوج بامرأة كان النور الذي اضاء دروب حياتها حب السيدة زينب، التي تجلت فيها هي ايضا كل معايير الاسوة والقدوة، اضاءت لها أعمق واقدس نقطة تحول في حياتها وأصبحت تسعى على خطى تلك السيدة الجليلة لخدمة ونصر إمام زمانها، كانت لها بصمة روحانية مهدوية.
معًا، أسسوا أسرة تُعلي من قيم الإيثار والتفاني. حياتهم كانت مليئة بالتحديات، ولكنها كانت أيضًا مليئة بالإيمان العميق والعطاء. كانوا يواجهون الصعوبات معًا، مدفوعين بقوة الحب والعلم الذي حصلوا عليهما من سيرة الإمام الحسين والسيدة زينب بالتدبير الإلهي، والرعاية المهدوية من خلف سحاب الغياب.