أولًا: أحسن الله إليكم أخي الكريم، ونفع بكم الإسلام وأهله، وجعلكم مباركين حيثما كنتم..
أعتذر ابتداءً لطول الرسالة، شكر الله لكم أن تأخذون من وقتكم لقراءتها..
لفترةٍ ما مضت تابعتُ قناتكم على التليجرام، أسأل الله أن يكتب لكم أجرها مضاعفًا، فوددتُ -لكن ترددت- أن أوصل لكم بعض الكلام، حتى شجعني على ذلك صوتيتكم الأخيرة: (ماذا بعد البكاء؟!)
1- أنا على يقينٍ أنكم تعلمون أكثرَ ما أكتب هنا، ويعايِشُه القلب منكم أكثر مما يعايِشُه القلب مني، فليس الكلام بتبصرةٍ، إنما تذكرة {وذكِّر فإنَّ الذكرى تنفعُ المؤمنين}..
.
2- كنت أحِسُّ نفَسَ الشباب في محتوى قناتكم، لكن الصوتَ كان يوحي لي بعمرٍ ما ظننته كبيرًا، حتى عرفتُ العمر -أسأل الله أن يمدَّه في طاعة ومرضاة-، فأقول ابتداءً -لا مدحًا، وإنما مدخلًا للبنود الآتية بعون الله، وأنتم أبصرُ منِّي بما أقول {الإنسانُ على نفسه بصيرة}- : قد أسبَغَ الله عليكم نعمته، ووهبَكم من حُسنِ الخلق والفهم والعقلِ ما لم يُوهَبهُ كُثُرٌ في سنِّكم، ويُلمَسُ من أنفسكم جوانب تزكويَّة قلَّ بحقٍّ أن يُلمَسُ مثلها في طلبة العلم الشباب، فاحمدوا الله واثبتوا على الطريق وسلوه المزيد من فضله..
.
3- لكلِّ مطلوبٍ جادَّة، ولكلِّ مقامٍ مقال، ولكلِّ حالٍ مُقتَضَى.. وعمَّا في قناتكم: فمطلوبكم: العلم.. ومقامكم: النفع والتعليم.. وحالكم: الشباب والابتداء.. (ولا تكاد تستقيم ثلاثتها معًا)!
.
4- (فأمَّا العلم): فإنَّ الذي في سنِّكم في مرحلة (تأصيل) بتعبير آخر: (بناء الأسُس)، وأخذُ باغي التأصُّل للعلم يختلف في النَّهج عن أخذِ من بنى الأسُس وسعَى يستكمل بناء علمه فوقها، ولعلَّكم -ظاهرُ الحال والله أعلم بحقيقته- : أقربُ للثاني من الأول، وهذا يُضِرُّ ببلوغكم المطلوب ونيلكم الثمرة المرجوَّة غدًا!
.
5- من ذلك: أنكم أقربُ لمطالعة الكتب والجرد والقراءة، من إحكام المتون بعد الحفظ بمعانيها ومدلولاتها، ومن أهمِّ معالِم طريق التأصيل: إحكام المختصرات أولًا، قبل الولوج في جرد كذا وكذا، «فإنما المختصراتُ مفاتيح العلم فمن تركها سقَطَ على أمِّ رأسه، وهي أصول العلم، ومن ضيَّعَ الأصول حُرِمَ الوصول، وطالب العلم إذا وثَّقَ أصوله وأحكمها؛ بَزَّ في العلم ولو لم يطالع المطوَّلات» ما بين القوسين الصغار من متفرَّقِ كلامٍ للشيخ صالح العصيمي. (ولعلَّ يتضح قصدي أكثر في بند المنهجية).
.
6- ومن ذلك: غلَبَة جانب (التفهُّم والتعقُّل) على جانب (الحفظ) بما يقلِّل من الثاني على حساب الأول! وكلاهما توأمان لا ينفكَّان، ولكن عمومًا في طلب العلم ثم خصوصًا في مرحلة التأصيل: (إنما العلمُ الحفظ)، بأن لا يمرَّ طالب العلم على الصفحات يتفهَّمُهَا وينتفع بها ثم يطويها لما بعدها، لأنه وإن أكثَرَ الطَويْ؛ فالفائدة قليلة، (ليس بعلمٍ ما حَوَى القِمَطرُ ... ما العلمُ إلا ما حواه الصَّدرُ).. «قرأنا كثيرًا وحفظنا قليلًا، فانتفعنا بما حفظنا أكثر من انتفاعنا بما قرأنا» ابن عثيمين رحمه الله.. ويسعكم في هذا ما تعلمون من معقد الحفظ في (متن تعظيم العلم).. والله أعلم وأنتم بحالكم أبصَر، لكنما شعرتُ بتغليب (القراءة والتفهُّم) على جانب (الحفظ)، فأكتب ما أكتب..
.
7- (وأما المقام -النفع والتعليم-): فذا مقام "الأداء" الذي يعقب مقام "التحمُّل"، ويُذهِبُ على طالب العلم الشيء الكثير أن ينخرط فيهما معًا، بل الذي عليه في مرحلة التحمُّل كما قال الشيخ الحويني حفظه الله: أن يضربَ على نفسه حصارًا في هذه المرحلة، ولن يفلح حتى يضرب الحِصَار.. انتهى..
وغير أمر صرف الوقت وذهاب بعضه في النفع بدل الانتفاع وكذا، فإنَّ للقلب طاقة -إن صحَّ التعبير-، فولوج التحمُّل والأداء معًا يلزم منه تفريق هذه الطاقة بعضها هنا وبعضها هناك، وليس يثمر هذا نفعًا لصاحبه في علوِّ الدرجات مع العلماء غدًا وفي نفعه أمَّته اليوم كما يثمرُ عند من جمعَ طاقة قلبه على التحمُّل حتى أتقنَ وتمكَّن على تطاول السنين به، ثم خرج للأداء..
...يتبع 👇