{وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} هنا نحتاج - كطلاب علم - أن نسبح الله نقول: سبحانك، لا يمكن أن تتناقض، لا يمكن أن يختلف هداك، لا يمكن أن يتعارض هديك، لا يمكن أن تتعدد طرقك، وأنت الذي تقول: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوْا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيْلِهِ} وهكذا تحتاج إلى تنـزيه الله في كل شيء، وأنت طالب علم، وأنت تاجر، وأنت فلاح، وأنت عالم، وأنت فقير، أو أنت غني، وأنت مجاهد، أو أنت قاعد، وأنت صحيح، أو أنت مريض تحتاج إلى هذه القاعدة، أن تنطلق منها، وهي التي ستحركك، وتوجهك إلى الصواب، فتعرف ما هو الموقف الصحيح الذي يجب أن تقفه في كل الأحوال، وفي كل الظروف.
{وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} ولا يعني الإختلاف هو الإختلاف في ألفاظ النصوص، الإختلاف في الغايات أيضاً، الإختلاف في النتائج أيضاً.. فلا يمكن أن يشرِّع هنا شيئاً ثم يشرِّع أيضاً شيئاً آخر يؤدي في الأخير إلى نتيجة تخالف نتيجة ما شرَّعه هنا. أو يهدي إلى شيء, ثم يهدي إلى شيء آخر يؤدي في الأخير إلى ضرب ذلك الشيء الأول.
إذا تأمل الإنسان كم سيجد لتنـزيه الله سبحانه وتعالى من أهمية بالغة مرتبطة بكل القضايا، في كل الميادين، في مواجهة المفسدين، في مواجهة المضلين، في مواجهة أعداء الله، حتى في المواجهة الكلامية في حالات النقاش.. وأنت تنطلق من قواعد ثابتة، مهما نمق الطرف الآخر كلامه أمامك، وزين شبهته لديك، لن تضطرب أبداً؛ لأنك سترى أن كل هذا الكلام المنمق الذي جاء من جانبه، مبني على أساس فاسد، المسألة من أساسها غير صحيحة.
الإيمان بالله سبحانه وتعالى الذي يعني في ما يمثل من التجاء بالله في كل الظروف، ثم إيمان بأهمية الاستمرارية على أسباب النصر هي جزء من الإيمان بالله.. وأنت إذا لم تلتزم فقد يحصل عليك مصيبة ثم تحمل الله المسؤولية، ثم تسيء ظنك بالله، وتكون أنت في الواقع الذي جنيت على نفسك من البداية {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ}.
«لن نهزم اليوم من قلة» هي التي ضربت المسلمين في حنين. وفي يوم أحد ما الذي ضربهم؟ هو العصيان للرسول (صلوات الله عليه وعلى آله)، عندما عصى البعض وسكت الباقون فكأن معصيته هي تعبر أو أنها تحظى برضاء الآخرين, أي لم يستنكروا ما حدث من أولئك عندما تخلفوا عن الحفاظ على الموقع الذي أكد عليهم الرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) أن يظلوا فيه ولا يبرحوا منه، فحصل أن ضُربوا ضربة شديدة، وهزموا هزيمة منكرة.
نبي الله يونس ألم يسبِّح وهو في بطن الحوت {سُبْحَانَكَ}؟. هذه لها أثرها الكبير، أنك دائماً سترجع إلى نفسك في كل حدث تواجهه في الحياة، وأنت تعمل في سبيل الله، وأنت ترى نفسك بأنك تسير على نهج أولياء الله، لا ترد اللوم على الله أبداً، حتى وإن كان من عنده ما أصابك فإنما ذلك إما لأنك أنت كنت جديراً بأن صدر منك ما تستوجب به أن يحصل عليك هذا الشيء، وإما لأن في ذلك مصلحة لك، وحكمة، حكمة من الله أن تلاقي تلك الشدة، أو تحصل عليك تلك المصيبة، لمصلحتك أنت.
التسبيح مما أًمر به أولياء الله، والرسول (صلوات الله عليه وعلى آله) يقول الله له: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ} وحتى في حالة الشدة كما حدث لنبي الله يونس وهو في بطن الحوت ماذا قال؟ {فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ} ألم يقل سبحانك؟ أنزهك {إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} فأن تكون أنت مؤمن بهذه القاعدة بشكلٍ واعٍ، وفي كل الحالات؛ لأنها قاعدة إيمانية في كل الظروف.
حاول أن ترسخ في نفسك دائماً التنـزيه لله، وإذا لمست بأنك لا تزال في وضعية قد تتعرض فيها لارتياب فاعلم بأنك لا تزال مهيئاً لنفسك أن تكون ضحية للضلال في أي وقت.. فيقولون لك: قال رسول الله كذا، وكان السلف الصالح كذا، وقال الصحابي الفلاني كذا، وكان كذا، والمفسر الفلاني قال كذا... ويهذفوا عليك حتى تعتقد عقيدة باطلة هي كفر بنـزاهة الله، كفر بقدسية الله، فتؤمن بها على أنها من دين الله، أليس هذا هو من الضلال؟. الله يريد منا أن نتعبد له بقدسيته، بنـزاهته، فنأتي لنتعبده بماذا؟ بالنقص، نتعبد له بنسبة الفواحش إليه، نتعبد له بالسوء، أليس هذا من الباطل؟.
للأسف بدلاً من أن تمتلئ القلوب بمشاعر تنـزيه الله ملئت القلوب بعقائد نسبت القبائح والنقص إلى الله في ذاته وأفعاله وتشريعاته، من أولئك الذين يحملون القرآن بين جنوبهم، في صدورهم، من أولئك الذين يقرأون كتاب الله سبحانه وتعالى فيرون فيه كم كرر الحديث عن تسبيحه والأمر بتسبيحه، واستنفار كل الخلائق لتسبيحه. لماذا لم يجدِ هذا في نفوسهم؟ مع أن بعضهم لهم أوراد ولهم رواتب، قد يطلق في اليوم الواحد ألف تسبيحة، مسابح طولها ألف حبة كان تحصل عند بعض الصوفية، وهم ممن يعتقدون عقائد كهذه. أحياناً الإنسان إذا لم يكن يعي ما يقول، ويعي ما يقرأ، ويعي ما يشاهد، تكون الأشياء كلها تمر على سمعه وبصره، وتنطلق من لسانه، وتمر مرور الكرام، لا تترك أي أثر.
قضية التسبيح قد تكون واضحة بالنسبة لنا معناها.. لكن كيف نعمل على أن نرسخها في نفوسنا وفي مشاعرنا؟. من خلال التكرير الواعي لكلمة: (سبحان الله) عندما تسبح الله داخل الصلاة أو خارج الصلاة في أي وقت من الأوقات. ثم أن تتلمس دلائل نزاهة الله سبحانه وتعالى وقدسيته وجلاله وعظمته من خلال آيات القرآن الكريم، ومن خلال صفحات هذا الكون، وآيات هذا الكون الذي بين يديك، هذا العالم؛ لتترسخ في نفوسنا معاني نزاهة الله؛ لأن المؤمن بحاجة إليها دائماً. ولو أن الناس انطلقوا من هذه القاعدة لكانت الدنيا بخير، ولكان وجه الدنيا على خلاف ما هو عليه الآن.
الإنسان المؤمن يجب أن يكون دائماً مستشعراً للتقصير أمام الله، الله وصف المتقين بأنهم كما قال عنهم: {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ} مستغفرين دائماً حتى في تلك الأوقات التي عادة ينهض فيها العبّاد المنقطعون في العبادة.
مهما ارتقيت في سلم الكمال لا بد أن تستشعر بأنك ما تزال قاصراً وناقصاً ومقصراً أمام الله سبحانه وتعالى، ما تزال ناقصاً، ما تزال مقصراً، لا تستطيع أن تحيط علماً بكل الدائرة من حولك أنها قد أصبحت كلها طاهرة بنسبة مائة في المائة في كل تصرفاتك، كل أفعالك، كل أقوالك، كل آرائك، كل نظراتك، كل مواقفك.
المطلوب من المؤمن أن يتجلد، أن يكون لديه حالة من الجلد، التجلد والتصبر. هذا النوع من المؤمنين هو الذي يستطيع أن يقف المواقف المهمة في سبيل إعلاء كلمة الله، أما الذي يسقط من أول شدة يتعرض لها.
أنت، في كل حالاتك كن مسبحاً لله، كن واثقاً بالله، وفي كل الحالات يكون همك هو رضى الله، متى ما عرفت أن المعاناة التي أنت فيها هي في سبيله، المعاناة التي أنت فيها ليست خنوعاً لأعدائه، ليست ذلاً تحت وطأة أعدائه تحمَّل واصبر.
الله يعلم أن كثيراً من عباده سينسبون إليه مالا يليق به فأوضح لنا نحن خطورة المسألة على أنفسنا في نظرتنا إلى الله سبحانه وتعالى، خطورة المسألة على أنفسنا فيما يتعلق بواقع الحياة، فأبان لنا في القرآن الكريم الآيات التي تدل على ماذا؟ على أن قضية تنـزيهه قضية مهمة استنفر لها كل مخلوقاته: {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ}.