"أول جيش يغزو مدينة قيصر مغفور له" (محمد -صلى اللَّه عليه وسلم-)
"وقد حضرت يزيد بن معاوية وأقمت عنده فرأيته مواظبًا على الصلاة، متحريًا للخير، يسأل عن الفقه، ملازمًا للسنة" (محمَّد بن علي بن أبي طالب)
"بأبى أنت وأمى يا يزيد، واللَّه لا أجمع أبوىَّ لأحدٍ بعدك" (عبد اللَّه بن جعفر بن أبي طالب)
"بعد ما رأيته من يزيد علمت أنه إذا ذهب بنو أمية ذهب علماء الناس" (عبد اللَّه بن عباس بن عبد المطلب)
هناك رواياتٌ تاريخية كاذبة رضعناها رضاعة منذ الصغر، هذه الروايات أصبحت مع مرور الوقت حقائق تاريخية، ثم تطورت بعد ذلك لتصبح مُسلماتٍ تاريخيةٍ لا يجوز الطعن بها، إلى أن وصلت في النهاية إلى مرحلة خطيرة يُجَرَّم من أجلها كلُّ من يحاول التشكيك بها أو حتى مناقشتها من قريب أو بعيدٍ، والأخطر من ذلك كله أن تكون هذه الروايات جزءً لا يتجزء من تاريخ أمةٍ بأسرها، بل جزءً لا يتجزء من تاريخ دينٍ كامل، والشيء المحير في الموضوع ليس شيوع مثل هذه الروايات بين عامة الناس فتحسب، بل إن الشيء الذي يدعو للتساؤل فعلًا هو وقوف العلماء والمؤرخين مكتوفي الأيدي أمام انتشار مثل هذه الروايات التي تمس وجدان وكيان هذه الأمة، إمّا من باب عدم إدراكهم خطورة الموقف في هذه اللحظة الزمنية الحرجة من تاريخ هذه الأمة، أو من باب السكوت على ما سكت عليه الآباء والأجداد، أو حتى بسبب جهل البعض لها، الأخطر من هذا وذاك، والمضحك المبكي في هذا كله، أن يتحول العلماء والمؤرخين إلى "ببغاوات" تردد تلك الروايات الكاذبة التي يستخدمها أعداء هذه الأمة لزحزحة عقيدة شبابها وضرب مقدساتها وتشويه صورة رموزها التاريخية.
أما في هذا الكتاب. . . . . فقد اخترت أن أسير عكس هذا التيار، وأن أدحض تلك الروايات الكاذبة، وأن أتمرد على الموروث الأعمى، وأن أضرب بعرض الحائط كل روايةٍ تخالف الحقائق التاريخية الثابتة، كائنًا في ذلك ما هو كائن، حتى ولو كان راوي تلك الرواية رجلًا من كبار العلماء، فلقد انتهى زمان التقليد الأعمى، ولقد انتهى زمان الرواية التي يرددها كثير من علماء المسلمين بأننا أهل السنة والجماعة لا نحب يزيد ولا نكرهه، فأنا أشهد اللَّه بأنني من أهل السنة والجماعة، وأنا أشهد اللَّه عَزَّ وَجَلَّ بأنني أحب يزيدًا، وأنا أشهد اللَّه بأني أحب أباه معاوية، وأنا أشهد اللَّه بأني أحب جدّه أبا سفيان، وأنا أشهد اللَّه بحبي للحسين، وأنا أشهد اللَّه بحبي لأبيه علي، وأنا أشهد اللَّه بحبي لجده محمَّد -صلى اللَّه عليه وسلم-، وإذا كان حبي ليزيد سيكون سببًا في دخولي لنار جهنم، فعندها سيكون لي عذرٌ عند اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، عندها سأقول له: يا رب. . . . . ألست أنت الذي بعثت نبيك محمَّد -صلى اللَّه عليه وسلم- بالحق ودين الهدى؟ أوليس نبيك هو الذي قال في حديثٍ له "أول جيش يغزو مدينة قيصر مغفور له" ؟ أوليس أنت يا رب أعلم مني بأن يزيد بن معاوية كان هو قائد أول جيش يغزو "القسطنطينية" ؟ فكيف تعذبني يا رب لحبي لرجل دعا له رسولك بالخير؛ ثم أليس رسولك يا رب هو من قال في الصحيح الحديث: "إن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة" ؟ وقد علمت يا رب أن يزيد بن معاوية كان الخليفة السابع بعد بيعة صحيحة بايعه فيها الصحابة الذين شهدت لهم بالخير، فهل تعذبني يا رب لحبي لخليفة المسلمين الذي بايعه رجالٌ مثل عبد اللَّه بن عمر وعبد اللَّه بن العباس؟ والحقيقة أنني وإن كنت أحب القائد الإِسلامي العظيم يزيد بن معاوية لشخصه، فإن دفاعي عنه في هذه الكلمات ليس بدافعٍ شخصيٍ أبدًا, ولكنني أدافع عن هذا الرجل لكي أدافع عن تاريخ هذه الأمة الذي زيفه الأعداء بصورة كبيرة، ولكي أدافع عن الصحابة الذين بايعوه، ولكي أدافع عن أبيه الذي رباه هذه التربية، ولكي أدافع عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الذي اختار أباه لكتابة الوحي، ولكي أدافع عن اللَّه عَزَّ وَجَلَّ الذي أمر نبيه أن يختار أباه لكتابة وحيه، ولكي أدافع عن كتاب اللَّه الذي يطعن فيه من يطعن بكتبته، ولكي أدافع عن محمَّد بن علي بن أبي طالب الذي شهد له بالخير، ولكي أدافع عن عبد اللَّه بن جعفر الطيار الذي ذكره بكل خير، ولكي أضع حدًا لأولئك المجرمين الذين يقتلون السنة في العراق وإيران لزعمهم أنهم بذلك يأخذون بثأر الحسين من أهل السنة والجماعة، ولكي أضع حدًا لأولئك السفلة الذين يطعنون بشرف أم المؤمنين عائشة -رضي اللَّه عنها-، ولكي أدافع عن عرض رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الذي يطعن به علماء الشيعة ليل نهار، ولكي أدافع عن عثمان وعن عمر وعن أبي بكرٍ -رضي اللَّه عنهم- في وجه من يلعنونهم في حسينياتهم، فواللَّه ما من رجل يتجرأ ويطعن في يزيد إلا تجرأ على أبيه معاوية بعد ذلك، وما هي إلا مسألة وقتٍ حتى يتجرأ على غيره من الصحابة رضوان اللَّه عليهم.