مقال: =الرد على مقال “أيها الساسة أوقفوا هذا المدّ”=
د.إياد راضي أبو سعدة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على من كان صراطهم هو {ٱلصِّرَ ٰطَ ٱلۡمُسۡتَقِیمَ (٦) صِرَ ٰطَ ٱلَّذِینَ أَنۡعَمۡتَ عَلَیۡهِمۡ غَیۡرِ ٱلۡمَغۡضُوبِ عَلَیۡهِمۡ وَلَا ٱلضَّاۤلِّینَ}[سُورَةُ الفَاتِحَةِ: ٦-٧].
والله إنه مقال أصابتني قراءته بما لا أرغب في ذكره، والتعبير عنه، لئلا يسوق قارئه المخالف عن حسن مقصدي، ويصرفه عن قبول نصحي، إلى استفراغ الوسع في الرد والرفض لما أحذر منه، ونهاية مقالي لعلها تكشف عن صدق طويتي في إرادة الخير؛ لذا أرجو عدم الانسياق مع نزغ الشيطان واستفزازه، معتمداً سلاحه في تعصب المخالف للحزب والجماعة التي ينتمي إليها، لينغمس في ظلمة الدفاع الأعمى لرد ورفض ما سأذكره، وللتنبيه خطابي موجه للعلماء وطلبة العلم، لما فيه من الإشارات، والبعد عن التفصيل لأن المقال لن يستوعبه المقام، إذ إنه يحتاج إلى كتاب لعله يكون من المطولات، فمن لن يسعفه علمه لفهم ما أشرت إليه، فلا يقف معه، ولا يطلع عليه.
إنه مقال مبني على أسس، وهي:
١- إقامة الحزب الذي ينتمون إليه مقام الإسلام، فالدفاع عن الإسلام مرادهم به الدفاع عن الحزب.
٢- قول الله تبارك وتعالى: {فَأَمَّا ٱلَّذِینَ فِی قُلُوبِهِمۡ زَیۡغࣱ فَیَتَّبِعُونَ مَا تَشَـٰبَهَ مِنۡهُ ٱبۡتِغَاۤءَ ٱلۡفِتۡنَةِ وَٱبۡتِغَاۤءَ تَأۡوِیلِهِ}[سُورَةُ آلِ عِمۡرَانَ: ٧].
٣- قول الله عز وجل: {یَقۡطَعُونَ مَاۤ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِۦۤ أَن یُوصَلَ}[سُورَةُ البَقَرَةِ: ٢٧]، وذلك في نصوص الوحيين، وفي النقول عن العلماء.
٤- قوله ﷻ: {أَفَتُؤۡمِنُونَ بِبَعۡضِ ٱلۡكِتَـٰبِ وَتَكۡفُرُونَ بِبَعۡضࣲ}[سُورَةُ البَقَرَةِ: ٨٥].
٥- الخلط بين نصوص فضائل الأعمال، ونصوص وجوب الأعمال.
٦- الإطلاق في موضع التقييد، والتقييد في موضع الأطلاق.
٧- التعميم في موضع التخصيص، والتخصيص في موضع التعميم.
٨- الجمع والتوفيق بين المفترقات، والفصل والتفريق بين المتفقات.
٩- التضييق في مقام التوسعة، والتوسعة في مقام التضييق.
١٠- إلغاء وإهمال ما يقتضي الإعمال، وإعمال ما يقتضي الإلغاء والإهمال.
١١- إقامة الوسائل مقام الغايات، والغايات مقام الوسائل.
وهذا كله ناجم عما جاء في قول الله تعالى في مثل حالهم: {فَإِن لَّمۡ یَسۡتَجِیبُوا۟ لَكَ فَٱعۡلَمۡ أَنَّمَا یَتَّبِعُونَ أَهۡوَاۤءَهُمۡۚ وَمَنۡ أَضَلُّ مِمَّنِ ٱتَّبَعَ هَوَىٰهُ بِغَیۡرِ هُدࣰى مِّنَ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّـٰلِمِینَ}[سُورَةُ القَصَصِ: ٥٠].
وقول الله تعالى: {أَفَمَن زُیِّنَ لَهُۥ سُوۤءُ عَمَلِهِۦ فَرَءَاهُ حَسَنࣰا}[سُورَةُ فَاطِرٍ: ٨].
ولم يحذروا مما جاء فيه تحذير لنبي من الأنبياء عليهم السلام في قوله تعالى: {وَلَا تَتَّبِعِ ٱلۡهَوَىٰ فَیُضِلَّكَ عَن سَبِیلِ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱلَّذِینَ یَضِلُّونَ عَن سَبِیلِ ٱللَّهِ لَهُمۡ عَذَابࣱ شَدِیدُۢ بِمَا نَسُوا۟ یَوۡمَ ٱلۡحِسَابِ}[سُورَةُ صٓ: ٢٦].
ولم يحذروا الذم لمن قال فيهم:{ٱتَّخَذُوۤا۟ أَحۡبَارَهُمۡ وَرُهۡبَـٰنَهُمۡ أَرۡبَابࣰا مِّن دُونِ ٱللَّهِ}[سُورَةُ التَّوۡبَةِ: ٣١].
أقول لهم: أيا هؤلاء، قفوا مع قول الله تعالى: {هَـٰۤأَنتُمۡ هَـٰۤؤُلَاۤءِ جَـٰدَلۡتُمۡ عَنۡهُمۡ فِی ٱلۡحَیَوٰةِ ٱلدُّنۡیَا فَمَن یُجَـٰدِلُ ٱللَّهَ عَنۡهُمۡ یَوۡمَ ٱلۡقِیَـٰمَةِ أَم مَّن یَكُونُ عَلَیۡهِمۡ وَكِیلࣰا}[سُورَةُ النِّسَاءِ: ١٠٩].
اتقوا الله فعملكم هذا هو ما قال فيه رسول اللهﷺ: «ﺩﻋﺎﺓ ﻋﻠﻰ ﺃﺑﻮاﺏ ﺟﻬﻨﻢ ﻣﻦ ﺃﺟﺎﺑﻬﻢ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻗﺬﻓﻮﻩ ﻓﻴﻬﺎ»، في الحديث الذي جاء عن ﺣﺬﻳﻔﺔ ﺑﻦ اﻟﻴﻤﺎﻥ رضي الله عنهما، قاﻝ: ﻛﺎﻥ اﻟﻨﺎﺱ ﻳﺴﺄﻟﻮﻥ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻋﻦ اﻟﺨﻴﺮ، ﻭﻛﻨﺖ ﺃﺳﺄﻟﻪ ﻋﻦ اﻟﺸﺮ ﻣﺨﺎﻓﺔ ﺃﻥ ﻳﺪﺭﻛﻨﻲ، ﻓﻘﻠﺖ: ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ، ﺇﻧﺎ ﻛﻨﺎ ﻓﻲ ﺟﺎﻫﻠﻴﺔ ﻭﺷﺮ، ﻓﺠﺎءﻧﺎ اﻟﻠﻪ ﺑﻬﺬا اﻟﺨﻴﺮ، ﻓﻬﻞ ﺑﻌﺪ ﻫﺬا اﻟﺨﻴﺮ ﺷﺮ؟ ﻗﺎﻝ: «ﻧﻌﻢ»، ﻓﻘﻠﺖ: ﻫﻞ ﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ اﻟﺸﺮ ﻣﻦ ﺧﻴﺮ؟ ﻗﺎﻝ: «ﻧﻌﻢ، ﻭﻓﻴﻪ ﺩﺧﻦ»، ﻗﻠﺖ: ﻭﻣﺎ ﺩﺧﻨﻪ؟ ﻗﺎﻝ: «ﻗﻮﻡ ﻳﺴﺘﻨﻮﻥ ﺑﻐﻴﺮ ﺳﻨﺘﻲ، ﻭﻳﻬﺪﻭﻥ ﺑﻐﻴﺮ ﻫﺪﻳﻲ، ﺗﻌﺮﻑ ﻣﻨﻬﻢ ﻭﺗﻨﻜﺮ»، ﻓﻘﻠﺖ: ﻫﻞ ﺑﻌﺪ ﺫﻟﻚ اﻟﺨﻴﺮ ﻣﻦ ﺷﺮ؟ ﻗﺎﻝ: «ﻧﻌﻢ، ﺩﻋﺎﺓ ﻋﻠﻰ ﺃﺑﻮاﺏ ﺟﻬﻨﻢ ﻣﻦ ﺃﺟﺎﺑﻬﻢ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻗﺬﻓﻮﻩ ﻓﻴﻬﺎ»، ﻓﻘﻠﺖ: ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ، ﺻﻔﻬﻢ ﻟﻨﺎ، ﻗﺎﻝ: «ﻧﻌﻢ، ﻗﻮﻡ ﻣﻦ ﺟﻠﺪﺗﻨﺎ، ﻭﻳﺘﻜﻠﻤﻮﻥ ﺑﺄﻟﺴﻨﺘﻨﺎ»، ﻗﻠﺖ: ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ اﻟﻠﻪ، ﻓﻤﺎ ﺗﺮﻯ ﺇﻥ ﺃﺩﺭﻛﻨﻲ ﺫﻟﻚ؟ ﻗﺎﻝ: «ﺗﻠﺰﻡ ﺟﻤﺎﻋﺔ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ ﻭﺇﻣﺎﻣﻬﻢ»، ﻓﻘﻠﺖ: ﻓﺈﻥ ﻟﻢ ﺗﻜﻦ ﻟﻬﻢ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﻭﻻ ﺇﻣﺎﻡ؟ ﻗﺎﻝ: «ﻓﺎﻋﺘﺰﻝ ﺗﻠﻚ اﻟﻔﺮﻕ ﻛﻠﻬﺎ، ﻭﻟﻮ ﺃﻥ ﺗﻌﺾ ﻋﻠﻰ ﺃﺻﻞ ﺷﺠﺮﺓ ﺣﺘﻰ ﻳﺪﺭﻛﻚ اﻟﻤﻮﺕ ﻭﺃﻧﺖ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ».
وهذا الذي سطرتموه إنما هو تنفيذ لمهمة حزبية كُلفتم بها -كما هو ظاهر ولا يقبل جدالاً- وهذه المهمة نقض ما جاء في مقال أ.د سلمان بن نصر الداية حفظه الله وغفر له، وليس الوقوف معه لمعرفة ما إذا كان ما جاء فيه: هل هو حق فتبعه أم باطل فنجتنبه؟!!