لقد عايشتُ أيامًا صعبة ومرّت بي ليالٍ قاسية كنت أتمنى لو أنَّ هناك من ينتشلني منها، من يربّت على كتفي، ومن ينير لي الطريقَ- ولو لحظاتٍ- لأعرف أين أنا وإلى أين عليّ أن أذهب.
ومنذ ذلك الحينِ عاهدتُ نفسي أن أمدَّ يدي لكلِّ غريقٍ يطمئنه حضورُ القشَّة، أن أربّت على كتفِ كلِّ وحيد يرتعش من قسوةِ الوحدة، أن أهدي آثارَ أقدامي للحيارى والتائهين، أن أكون لهم النور الذي أفتقد وجودَه وأنا أغالب الرحلة.
منذ ذلك الحينِ لم يعد يهمني ماذا يمنحني العالم، لكن صار همي ما أستطيع أن أمنحَه أنا للعالم؛ فقد آمنتُ أنَّ هذه هي الطريقة الوحيدة ليبقى فيه مكان يؤنِس، ويربّت، ويضيء.
من أكثر الأشياء التي جعلتني أرتاح نفسيًا هي إدراكي التام أنه إذا كان لي نصيب في شيء سأحصل عليه، وأنَّ نصيبي سيأتيني مهما حدث، مهما ابتعدت عنه، أو ابتعد هو عني، أو فرَّقتنا الظروف.. تيقَّنت أنَّني سأحصل على كل ما كتبه الله لي، وطالما أنَّ الله قد كتب لي شيء، فالأحداث ستتهيَّأ، والظروف ستتيسَّر، وحتى المستحيل سيصبح ممكن لأحصل عليه، فلِما القلق طالما أنَّ النصيب آتٍ آتٍ!
واعلم أنك في سِباق مع عُمرك لحَمل القُرآن معك إلى الآخرة، فإياك أن تتوانى دقيقة عن الحفظ والمُراجعة سارِع سارِع، وابذل ما بوسعك فعُمرك قد ينقطع في أيِّ لحظة، ولِتُرِ الله منك خيرًا لعله أن يرحمَك إن قُبضت قبل أن تنتهي في رحلة القُـرآن فيكتب لك أجره.
"ما خشيتُ شيئًا مثل خشيتي من أن تصبح الكلمات والمواعظ الَّتي نشاركها هُنا وهناك حُجَّة علينا لا حُجَّةً لنا يوم القيامة!
-قال الفُضَيل بن عياض -رحِمَهُ اللَّه- : إيَّاك أن تَدُل النَّاس علىٰ اللَّه ثُمَّ تفقِد أنتَ الطَّريق، واستعذ باللَّه دائمًا أن تكون جِسرًا يُعبَر عليه إلىٰ الجنة ثُمَّ يُرمَىٰ به في النَّار."