لا أعرفُ إن كانتْ هي عادتي وحدي في الجنائز، أم أنها عادتنا جميعاً، أن ننظرَ في توابيت أحبابنا فنسترجعُ مواقفنا معهم!
قبل استشهاد أبو العبد تقبَّله الله بيومين كنتُ أتحدثُ مع زوجتي، ولا أدري كيف جاءتْ سيرته رحمه الله، قلتُ لها: لي موقفٌ معه لن أنساه ما حييت، وحدَّثتها عنه!
واليوم كلما نظرتُ إلى نعشه كان الموقف يعاودني كغصَّةٍ ولكن في القلب!
عندما كنتُ في الدوحة آخر مرَّةٍ في معرض الكتاب، لم أكن قد عزَّيته وجهاً لوجهٍ باستشهاد أولاده وأحفاده، فتواصلتُ لزيارته لدقائق لتقديم واجب العزاء لأني أُقدِّر انشغالاته، فأصرَّ أن نتغدى معاً، وكان الموعد في الرابعة عصراً!
وصلتُ في الرَّابعة إلا عشر دقائق، وكان رحمه الله في اجتماعٍ مع وفدٍ زائر، وبطبيعة الحال جلستُ منتظراً في صالون كبير معاكس لجهة باب الغرفة التي فيها الاجتماع، وفي الرابعة وخمس دقائق كان رحمه الله أول الخارجين من الغرفة قبل رفاقه وضيوفه وأنا أرى ظهره، فقال بصوتٍ مرتفعٍ لشباب مكتبه بلهجته الغزَّاوية: أَجَا أدهم شرقاوي!
فقمتُ إليه، وقبلتُ يده، وعانقته، وقلتُ له: كلنا أولادك!
فربتَ على كتفي، كمن لا يريدُ أن يفتح جرحاً، وقال لي: بعتولي صورة كتابك رسائل من القرآن لما نزل بالفيديو مش عارفين أنك أهديتي ياه من سنتين!
أجلسني على المائدة بجانبه، وكان يسكب لي بيده، كما يسكبُ أبٌ لابنه، ولطالما كان أباً للجميع!
لم ألتقِ به من وقتها، ولن نلتقي بعدها إلا في الجنَّة بإذن الله، ولكن لو نسيتُ كلَّ ما في ذاكرتي فلن أنسى: أَجَا أدهم شرقاوي؟!