*الوقفة التاسعة:* لا تقوم الساعة حتى تظهر أشراطها قال تعالى: {فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً فَقَدْ جَاء أَشْرَاطُهَا} [محمد:18] قال الحافظ ابن حجر رحمه الله كما في "فتح الباري" (13/79): هي العلامات التي يعقبها قيام الساعة وقد جاءت أحاديث كثيرة عن النبي ﷺ تبيِّن أنه لا تقوم الساعة حتى يظهر كذا وكذا - كما جاء في الحديث الذي أخرجه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: "لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم، وتكثر الزلازل، ويتقارب الزمان، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج، وهو القتل... القتل، حتى يكثر فيكم المال فيفيض". - وأخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: "لا تقوم الساعة حتى يمرَّ الرجل بقبر الرجل، فيقول: ياليتني مكانه". - وعند البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: "لا تقوم الساعة حتى يُبعث دجَّالون كذَّابون قريب من ثلاثين، كلٌ يزعم أنه رسول الله" - وأخرج الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: "لا تقوم الساعة حتى يظهر الفتن، ويكثر الكذب، وتتقارب الأسواق" - وأخرج الحاكم عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: "إن من أشراط الساعة أن يوضع الأخيار، ويرفع الأشرار" - وأخرج البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي ﷺ قال: "من أشراط الساعة أن يَقلَّ العلم ويظهر الجهل، ويظهر الزنا، وتكثر النساء، ويقل الرجال؛ حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد".
- وعن جابر رضي الله عنه: "هاجت ريحٌ حمراءُ بالكوفة، فجاء رجل ليس له هِجِّيرَى إلا: يا عبد الله بن مسعود جاءت الساعة، قال: فقعد - وكان متكئاً -، فقال: إن الساعة لا تقوم حتى لا يُقْسَمَ ميراثٌ، ولا يُفْرَحَ بغنيمة، ثم قال بيده هكذا، ونحاها نحو الشأم، فقال: عدوٌ يجمعون لأهل الإسلام، ويجمع لهم أهلُ الإسلام، قلت: الروم تعني؟ قال: نعم..." (والحديث رواه مسلم)
فتأمل كيف أنكر ابن مسعود رضي الله عنه غُلوَّه في توقع قيام الساعة إلى حدِّ القَطْعِ بأنها (جاءت) بالفعل، دون اعتبار لما قبلها من الأشراط.
___ إشكال والرد عليه: عن أبي موسى رضي الله عنه قال: "خسفتِ الشمسُ، فقام النبي ﷺ فزعاً يخشى أن تكون الساعة، فأتى المسجد فصلَّى بأطول قيامٍ وركوعٍ وسجودٍ، ما رأيته قط يفعله، وقال: هذه الآيات التي يرسل الله لا تكون لموت أحد ولا لحياته؛ ولكن يُخَوِّف الله بها عباده، فإذا رأيتم شيئاً من ذلك فافزعوا إلى ذكرِه ودعائِه واستغفارِهِ" قال الحافظ ابن حجر رحمه الله كما في "فتح الباري" (2/546): "يُشكِل هذا الحديث من حيث إن للساعة مقدِّمات كثيرة لم تكن وقعت، كفتح البلاد، واستخلاف الخلفاء، وخروج الخوارج، ثم الأشراط: كطلوع الشمس من مغربها، والدابة، والدَّجَّال، والدخان... وغير ذلك.
ويجاب عن هذا: 1- باحتمال أن تكون قصة الكسوف وقعت قبل إعلام النبي ﷺ بهذه العلامات. 2- أو لعله خشي أن يكون ذلك بعض المقدِّمات. 3- أو أن الراوي ظن أن الخشية لذلك، وكانت لغيره، كعقوبة تحدث؛ كما كان يخشى عند هبوب الريح( ) ،
هذا حاصل ما ذكره النووي تبعًا لغيره، وزاد بعضهم: 4- أن المـراد بالسـاعة: غير يـوم القيـامة، أي: السـاعة التي جُعلت عـلامة على أمـر من الأمـــور، كموته ﷺ ... أو غير ذلك ثم طفق الحافظ رحمه الله يُعَلِّق على هذه الأقوال، فقال: "وفي الأول نظر؛ لأن قصة الكسوف متأخرة جداً، فقد تقدَّم أن موت إبراهيم كان في العاشرة، كما اتفق عليه أهل الأخبار، وقد أخبر النبي ﷺ بكثير من الأشراط والحوادث قبل ذلك.
- وأما الثالث، فتحسين الظن بالصحابي يقتضي أنه لا يجزم بذلك إلا بتوقيف. - وأما الرابع، فلا يخفى بُعْدَهُ.
وأقربها الثاني، فلعله خشي أن يكون الكسوف مقدمة لبعض الأشراط: كطلوع الشمس من مغربها، ولا يستحيل أن يتخلل بين الكسوف والطلوع المذكور أشياء ممَّا ذكر، وتقع متتالية بعضها إثر بعض، مع استحضار قوله تعالى: {وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ} [النحل:77]
5- وقيل: لعله قدَّر وقوع الممكن لولا ما أعلمه الله تعالى بأنه لا يقع قبل الأشراط، تعظيماً منه لأمر الكسوف؛ ليتبين لمَن يقع له من أمته ذلك كيف يخشى ويفزع، لا سيما إذا وقع لهم ذلك بعد حصول الأشراط او أكثرها. 6- وقيل: لعل حالة استحضار إمكان القدرة غلبت على استحضار ما تقدم من الشروط، لاحتمال أن تكون تلك الأشراط كانت مشروطة بشرط لم يتقدَّم ذكره؛ فيقع المخوف بغير أشراطٍ، لفقد الشرط، والله I أعلم. (اهـ كلامه رضي الله عنه)