هنا الأندلس، حيث تناثر عبق التاريخ وشعّ نور الحضارة، فكان كل حجر وكل شجرة شاهداً على عظمة أمة صنعت المجد وكتبت تاريخاً استثنائياً.
هنا، خطّ ابن رشد في الفلسفة ما زلزل الفكر الأوروبي، ونسج ابن حزم كلمات أحاطت بالحب وأسرار النفس، وتبحر القرطبي في تفسير كتاب الله حتى باتت مدوناته مصابيح للهدى، وأبدع ابن خلدون في تأسيس علم الاجتماع والتاريخ حتى قيل إنه أبوهما.
هنا، أنشد ابن زيدون شعراً عذباً جرت كلماته على لسان ولادة بنت المستكفي، وطار ابن فرناس بأجنحته الحُرّة بحثاً عن السماء.
على هذه الأرض، أسّس عبدالرحمن الداخل دولة قوية من رماد الشتات، وأقام حضارة علمت العالم كيف يزدهر الإنسان حين يجتمع العلم والإيمان.
ووسط كل هذه العظمة، كان هناك موسى بن نصير، الرجل الذي قهر المستحيل بعزيمة لا تعرف التراجع، رغم عرج قدميه وشيخوخته. رجل قال: "لو أطاعني الناس لفتحت روما!"، وأثبت أن القائد الحقيقي لا يشيخ روحه، بل تزداد اتقاداً كلما ارتفع الحلم واشتدت التحديات.
ولكن، آهٍ من الذكرى، ما أثقلها حين تطرق أبواب القلب. تذكرت ذلك المجد الذي صنعناه بأيدينا ثم أضعناه، وكيف غفونا على وسائد الوهن حتى استيقظت الأرض على أصوات السقوط المدوي.