View in Telegram
الهوى أهواء..! . . كلما أبت النفس أن تستمع إلى صوت الدليل وقعت في الهوى، ولا عجب أن تكون مادة الهوى من مادة الهُوِيّ، فإن داعي الهوى لا يكون إلا من غير جهة داعي الدليل، فالدليل يدعو الإنسان من أعلى، لأن الدليل من العلم العلوي، وأما غير الدليل فيأتي من أسفل: من أعماق النفس الأمارة بالسوء، فحينئذ ترى الإنسان يهوي إلى ما يهوى. . وداعي الهوى ناشئ عن ألوان من انعطافات النفس على أعطافها. فتارة تنعطف على شهواتها ومحبوبتها، وتارة على معتاداتها وغالب أحوالها، وتارة على الطارئ عليها من حزن أو غضب أو خوف، والناس لا يكادون يعرفون من الأهواء إلا الأول، فلا يسمون هوى إلا ما دعا المرءَ إليه شهوة وتلذذا، ويغفلون عن غيره مما يدعو صاحبَه إيثارا للراحة، وميلا إلى تحكيم العادة، وهو هوى العامة التي لا تقدر على شهواتها فتنزّل عاداتها المريحة منزلة الشهوات، فهوى هؤلاء النوم والخمول وترك العمل والسعي، ومباعدة أسباب التحوّل. . وأما أهواء أهل القدرة فالملذات المحرّمة، والشهوات المحظورة، من المآكل والملابس والمساكن والمناكح والصور والأصوات، ومنهم من أهواؤه الأوامر النافذة والمراسيم الماضية، والكلمة العليا، والسلطة العظمى، وهؤلاء أهل الملك والرياسة، فهؤلاء تدخل عليهم الأهواء من جهة رسوم السلطان وقواعد السياسة. . وأما أهواء أهل العقول فالآراء الضالة، والمذاهب الضارة والأقوال الشاذة، والمخالفة ليقال: امتاز، والابتداع ليقال: أبدَع، والتأويل ليقال: فهِم، والتشديد ليقال: حرَص، والتهوين ليقال: رحِم، فأهواء هؤلاء شهوات عقول، ومطالب قلوب ساكنها المرض. . وإن من الأهواء المضلة أن يتكلم العقلاء الفضلاء الفقهاء في موقف الغضب بمقتضى الغضب، وفي موقف الحزن بمقتضى الحزن، وفي موقف اليأس بمقتضى اليأس، فتصير الحال الغالبة حاكمة في الشرع الذي ما أنزل إلا ليحكم في الأحوال. وقد حذّر النبي صلى الله عليه وسلم من هذه الأهواء فقال: "لا يقضين حكم بين اثنين وهو غضبان"، فإن حكم الغضب حكم هوى، وليس حكم فرط الفرح والسرور ببعيد عن حكم فرط الغضب، فإن الإفراط في الأضداد كله مخرج عن السواء. . والحاصل أن الهوى أهواء، فمنها أهواء ناطقة ببطلانها، منادية بفسادها، ومنها أهواء تتردى أردية الدليل، وتأتزر أزر النظر، وما هي عند التحقيق إلا بقايا أحوال عارضة، أو نتائج طباع راسخة، لم يجتهد صاحبها في تخليص نفسه منها بالاستعاذة والاستغفار والتزكية والتربية. . اللهم إنا نعوذ بك من مضلات الأهواء والآراء، ونسألك أن تجعل أقوالنا وأفعالنا وعقود قلوبنا تبعا لدينك، الحكم لك، والأمر إليك، ولا إله إلا أنت. .
Love Center - Dating, Friends & Matches, NY, LA, Dubai, Global
Love Center - Dating, Friends & Matches, NY, LA, Dubai, Global
Find friends or serious relationships easily