جهل التلذذ
(للمتزوجين فقط)
سنفترض أن هناك رجلًا دعا زوجته للعشاء خارج البيت، ويتوفر في هذا المطعم ميزتان رائعتان، الأولى تتعلق بالديكور والأجواء والقطع الفنية والشموع والكريستال، وكل ما يمكن أن يمثل لذة للبصر، والميزة الثانية هي أن الطباخين به يعدون وجبات لا مثيل لها، بحيث يمثل الأكل نفسه لذة حقيقية،وتجربة تذوق فريدة.
سنفترض في هذا الرجل أنه عملي إلى حد ما، وهو من النوع الذي لا تسحره المشاهد الخلابة كثيرًا، بالإضافة إلى ذلك فهو ليس من النوع صاحب الذائقة العالية في الطعام، وكل ما هو طعمه فوق الستين في المائة متساو، المهم أن يعالج جوعه فقط.
سنفترض أنه كلَّف نفسه بسبب هذه الدعوة، ولكن لأنه غير مشدود للأجواء والإضاءة وخلافه، ولأنه يأكل بسرعة بدون أن يعيش كصنف (الأكِّيلة) مع الطعم والنكهات الرائعة، أنهى طعامه خلال خمس دقائق، وفور أن شعر بالشبع، رأى أنه لم يعد هناك أي داع للبقاء، ونادى العامل لكي يضع الطعام لزوجته في صندوق من الكرتون لتحمله معها للمنزل، وهي لم تزل تتمتع بالمكان الساحر، وتنظر بسرور للشموع والقلوب، ولم تزل تتمتع بالنكهات والروائح الفريدة، وشعرت بغصة والرجل يلملم لها الطعام في الصندوق الكرتوني، لأن الزوج قطع عليها المتعة بدون مبرر كافٍ.
هنا نقول أن الزوج صاحب تلذذ متواضع قياسًا إلى زوجته، وهذا في حد ذاته وارد ومقبول، ولكن مشكلة الزوج هنا هو الجهل بالتلذذ، تلذذ الآخرين، وهي الزوجة هنا، أي عدم القدرة على إمعان النظر في حاجة الآخر، وغض الطرف عنها، بل واستهجانها وقت اللزوم دفاعًا عن النفس، واعتبارها متطرفة ومفرطة، لأنه يقيس الأمور على نفسه.
لو مددنا الخط على استقامته، سنجد أن هناك جهلًا منتشرًا جدًا، بدرجة مخيفة، داخل البيوت، بخصوص التلذذ الحسي بين الزوجين، فالرجل الذي أكل بسرعة ليعالج جوعه، هناك مثله من يكون حريصًا على علاج رغبته والتخلص منها بغير مقدمات عاطفية، ولا حتى قبلة واحدة، بجهل تام ومرعب بالشريكة، التي تكون في تنغيص أشد من تنغيص التي حملت وجبتها إلى البيت، جهل بتلذذها، وعدم إمعان النظر فيه، وغض الطرف عنه، بل واستهجانه إذا ما ألمحت إليه كحق مشروع.
لا أريد أن أزيد عن هذا الحد، مكتفيًا بالتلميح الذي يكتفي به الكرام، ولكن الأمر يعتبر جريمة في أحيان كثيرة، جريمة يتم ممارستها على مدار سنوات، وظلم واضح لا يراه من يقعون فيه كذلك، وهو يترك تداعيات نفسية شديدة الخطورة في أحيان كثيرة.
الزواج هو في جزء منه مراقبة تلذذ الآخر، ومحاولة الانسجام معه، لأنه لا يمكن أن يكون الزواج رائعًا وهو قائم على حرمان مستديم، وهو حرمان لا يبرره مرض جسدي، بل سببه الوحيد هو (الجهل) بتلذذ الآخر، الآخر الذي لا يجب أن يكون أكثر من شيء يدب فيه الروح في الغرفة، أي أفضل قليلًا من وسادة.
محمود توفيق
#وعاشروهن_بالمعروف