فكادت أن تتقاعس من أجل رضيعها المظلوم، عندها حصل شيء لم يتكرر في تاريخ الأرض إلا أربع مرات! فلقد تكلم ذلك الرضيع، وقال لها: "يا أماه اصبري فإنك على حق" ثم انقطع صوته عنها بعد أن ألقوه في الزيت المغلي، لتختلط عظامه بعظام إخوته الأربعة، فها هي عظامهم يلوح بها القدر، ولحمهم يفور به الزيت، لتنظر المسكينة الى هذه العظام الصغيرة وهي تتذكر أطفالها الصغار يمرحون بين يديها، ثم اندفع أولئك المجرمون نحوها وأقبلوا عليها كالكلاب الضارية، وقبل أن يلقوها في الزيت المغلي، التفتت إلى فرعون وقالت: "لي إليك حاجة" فصاح المجرم فرعون: "ماحاجتك؟" فقالت: "أن تجمع عظامي وعظام أولادي فتدفنها في قبر واحد" فقال فرعون وهو يقهقه: "لك ذلك" فألقى الجند بها في الزيت المغلي، لتستشهد في سبيل اللَّه، وتختلط عظامها بعظام أطفالها الصغار. . . . . . وبعد ذلك بما يزيد عن ١٥٠٠ سنة وبينما رسول اللَّه مع جبريل في ليلة الإسراء والمعراج، وإذ به يشتم رائحة طيبة، فيسأل جبريل عنها قائلأ: "مَا هَذِهِ الرَّائِحَةُ الطَّيِّبَةُ يَا جِبْرِيلُ؟" فيجيبه جبريل: "هَذِهِ رَائِحَةُ مَاشِطَةِ بِنْتِ فِرْعَوْنَ، وَأَوْلادِهَا" ! ولكن وبعد هذا الإجرام الذي ارتكبه فرعون، أكبر مجرمٍ عرفته البشرية، ما الذي حدث له؟ وما هي العقوبة الربانية الفريدة من نوعها التي التي لم ينزلها اللَّه إلا عليه؟ وكيف اختفى هذا الفرعون ليظهر عام ١٨٨١ م مجددًا؟ وكيف كان ظهوره سببًا لبزوغ نجم عظيم جديدٍ من عظماء أمة الإسلام المائة؟ يتبع. . . . .
كثيرٌ منا من يعتقد أنه قد أصبح مسلمًا مؤمنًا لمجرد التزامه بفروض اللَّه! فهناك من الناس من يتصدق بثلاثة دنانير ليرفع يديه عاليًا إلى السماء وهو يقول: "اللهم لا تضيعها عندك" ! وهناك من يدفع زكاة ماله -المفروضة عليه- ليشترط على اللَّه القصر الأبيض في جنات الفردوس! ومنّا من يقوم للَّه ليلة يتيمة ليعتقد بعدها أن اللَّه سيبني له منزلًا في الجنة بجوار رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-! ومن الناس من يذهب للدعوة إلى سبيل اللَّه فإذا قوبل بالرفض من أول مرة رفع يديه إلى السماء ليقول "اللهم هل بلغت، اللهم فاشهد" ! وهناك من الدعاة من إذا سُبَّ أو استهزئ به لمرة واحدة فقط رجع حزينًا وهو يقول "اللهم إني أشكو لك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس" ! فيظن هؤلاء بذلك أنهم قد وصلوا إلى مرتبة الصدّيقين والشهداء!!! ولكن الإيمان الحقيقي لهو أعظم من ذلك بكثير. . . . والحقيقة هي أنك إذا لم تتعرض لابتلاء، فأعلم أنك لم تصل إلى مرحلة الإيمان! {الم (١) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (٢) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (٣) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (٤) مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٥) وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (٦) } [العنكبوت] . وبطلتنا الآن هي إنسانة دخلت في قوله تعالى: {وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} ، فهذه الإنسانة لم يبتليها اللَّه فحسب، بل ابتلاها اللَّه بأحقر وأسفل خلقه في التاريخ: فرعون! إننا نتحدث عن هي ماشطة بنت فرعون، والتي لم تكن أكثر من مجرد امرأة صالحة كانت تعيش هي وزوجها في ظل مُلك فرعون، فقد كان زوجها مقربًا من فرعون، بينما كانت هي ماشطة لبنات فرعون، فمن اللَّه عليهما بالايمان، فلم يلبث أن علم فرعون بإسلام زوجها، فقتله على التو واللحظة، فأخفت زوجته إسلامها، واستمرت في العمل في قصر فرعون تمشط بناته، وتنفق على أولادها الخمسة. وفي يومٍ من الأيام وبينما هي تمشط ابنة فرعون، وإذ بالمشط يقع من يدها على الأرض، فتناولته هذه المرأة المؤمنة من الأرض وهي تقول: "بسم اللَّه" ، فقالت ابنة فرعون: "اللَّه أبي!" فصاحت الماشطة بابنه فرعون: "كلا! بل اللَّه ربي، وربك، ورب أبيك" فذهبت تلك المجرمة ابنة المجرم إلى أبيها لتخبره بأمر ماشطتها، فثارت قيامة فرعون بوجود من يعبد اللَّه بقصره، فأحضرها، وقال لها: "من ربك؟" فقالت: "ربي وربك اللَّه" فأمرها فرعون بالرجوع عن دينها، وإلا حبسها وعذبها، فأبت تلك البطلة أن ترتد عن الإسلام، فأمر فرعون بقدر من نحاس فملئت بالزيت، ثم أحمي حتى غلا، فأوقفها أمام القدر، فلما رأت العذاب، أقبلت على القدر تريد الشهادة، فعلم فرعون أن أحب الناس إليها هم أولادها الخمسة، الذين كانت تربيهم بعد أن قتل أباهم، فأراد ذلك المجرم أن يزيد في عذابها، فأحضر الأطفال الخمسة إلى غرفة التعذيب الفرعونية، فلما رأوا أمهم تعلقوا بها يبكون، فانكبت عليهم تقبلهم وتضمهم إلى حضنها باكية، فأخذت أصغرهم وضمته التي صدرها وأرضعته، فأمر فرعون بأكبرهم، فجره الجنود ودفعوه التي الزيت المغلي والغلام يصيح بأمه ويستغيث ويسترحم الجنود ويتوسل الى فرعون ويحاول الفكاك والهرب، ولكن الجنود كانوا يصفعونه ويدفعونه إلى الزيت المغلي دفعًا، كل هذا وأمه تنظر اليه وتودعه بدموعها بعد أن عجز لسانها عن الحركة، وما هي إلا لحظات، حتى ألقي الصغير في الزيت، والأم تبكي وتنظر إلى طفلها وهو يحترق، بينما فرعون يقهقه، وإخوته يغطون أعينهم بأيديهم الصغيرة من هول المنظر، حتى إذا ذاب لحمه على جسمه النحيل، وطفت عظامه البيضاء فوق الزيت، نظر إليها فرعون مرة أخرى وأمرها بالكفر لكي يعفو عن البقية، فأبت هذه الفدائية، فزاد غضب فرعون، فأمر بولدها الثاني، فسُحب من عند أمه وهو يبكي ويستغيث، فما هي إلا لحظات حتى ألقي في الزيت، والأم تنظر إليه وتبكي، حتى طفت عظامه البيضاء واختلطت بعظام أخيه، فما زاد ذلك المنظر الأم إلا ثباتًا على الإسلام، ثم أمر فرعون بالثالث ففعل به نفس الشيء، ثم أمر السفاح فرعون أن يطرح الرابع في الزيت، وما هي إلا ثوانٍ حتى غاب الجسد وانقطع الصوت، فجاهدت الأم نفسها أن تتجلد وأن تتماسك، فالتفتوا إليها وتدافعوا، وانتزعوا الخامس الرضيع من بين يديها، فلما انتزع منها صرخ الصغير فانهارت الأم ودموع الرضيع تغطي يديها،
حتى تعود إلى ما كانت عليه، لكنها بقيت مؤمنة محتسبة صابرة، فأمر فرعون جنوده أن يطرحوها على الأرض، ويربطوها بين أربعة أوتاد، لتنهال السياط على جسدها، وهي صابرة محتسبة على ما تجد من أليم العذاب، ثم أمر المجرم فرعون بوضع رحًى على صدرها، وأن تُلقى عليها صخرة عظيمة، وقبل أن يتم تنفيذ ذلك جاءها فرعون ليعرض عليها العفو مقابل أن تكفر باللَّه، فنظرت إليه نظرة استحقار، ثم نظرت في السماء وهي معلقة بين الأوتاد الأربعة فدعت اللَّه بأعجب دعاءٍ دعته امرأة في التاريخ فقالت: {رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (١١) } . فاختارت هذه البطلة الجوار قبل الدار، اختارت أن تكون جارة للَّه! فقالت: {عِنْدَكَ} قبل {بَيْتًا} ، فكان لها ذلك! فارتفعت روحها إلى بارئها، تظلِّلُها الملائكة بأجنحتها, لتسكن في الجنة، لتستحق هذه البطلة العظيمة أن تكون من أعظم نساء التاريخ على الإطلاق لتكون بذلك سيدة من سيدات أهل الجنة! ولكن هل انتهت قصة ذلك المجرم فرعون عند ذلك الحد؟ وهل انتهى ظلمه وعذابه للناس بعد أن قتل زوجته بيديه؟ أم أن هناك مزيدًا من الضحايا لهذا المجرم؟ فما هي قصة تلك الأم البطلة التي عذبها فرعون مع أبنائها؟ وما هو سر تلك الرائحة الطيبة التي اشتمها رسول اللَّه في ليلة الإسراء والمعراج؟ يتبع. . . .
"كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون ومريم بنت عمران وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام" (رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-)
واللَّه إن القلب ليرتجف وأنا أهم بالكتابة عن هذه الملكة العظيمة، فنحن الآن على موعدٍ مع الصديقة الولية، والراضية المرضية، والمؤمنة التقية، الراسخة الثابتة الأبية، الزاهدة الصفية، الشهيدة الهنية، نحن الآن على موعدٍ مع البطلة التي انتصرت بإيمانها على أقوى جبّارٍ عرفته الأرض في التاريخ من لدن آدم إلى أن يرث اللَّه الأرض ومن عليها، نحن الآن على موعد مع أقوى إنسانة خلقها اللَّه في الدنيا، نحن الآن على موعد مع إنسانة عجزت كلمات الشعراء على تخليد سيرتها، فخلدها رب الشعراء في كتابه بكلماته، نحن الآن على موعد مع زينة الملكات، وسيدة السيدات، ورمز الأبيات، نحن الآن مع موعدٍ مع الأم الرحيمة والبطلة العظيمة آسية بنت مزاحم امرأة عدو اللَّه فرعون! وآسية رحمها اللَّه لم تكن مجرد زوجة عادية لرجلٍ عادي، بل كانت ملكة متوجة لديها من الذهب والمجوهرات ما لا يحصى ولا يعد، نحن نتحدث عن ملكة من ملكات مصر القديمة التي كانت جنة اللَّه في أرضه، آسية بنت مزاحم رحمها اللَّه تركت كل ذلك في سبيل اللَّه، والحقيقة أن سر اختياري لهذه السيدة الطاهرة لأطلق عليها لقب أقوى إنسانة في التاريخ لا ينبع من كونها انتصرت على فرعون الجبّار فحسب، بل إنني أعتقد أن سر عظمة وقوة آسية ينبع من من انتصارها على نفسها! فلقد تركت هذه البطلة الذهب والمجوهرات وقصور فرعون، مضحية بذلك بأعظم كنوز الحضارة الفرعونية في سبيل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، لتنتصر هذه البطلة العملاقة على نفسها، ثم تنتصر بعد ذلك على فرعون! لقد انتصرت على الرجل الذي قال للناس أنا ربكم الأعلى! فباعت آسية بذلك دنياها من أجل آخرتها، تركت قصرها، أو لنقل قصورها، من أجل أن تسكن في بيتٍ بجوار اللَّه، لتكون جارة للَّه! وآسية هي آسية بنت مزاحم بن عبيد الديان بن الوليد، وهي ترجع لأصول عربية من جزيرة العرب! وكان أبوها يحكم مملكة من الممالك التي خضعت للحكم المصري في عصر الدولة الفرعونية الحديثة، وكان من عادة الملوك أن يصاهروا بعضهم البعض، فتزوجها فرعون ليجعلها أثيرة إلى قلبه دون زوجاته الأخريات على الرغم من كونها امرأة عقيم! لذلك ما إن رأت آسية التابوت الذي ألقت به أم موسى في النيل حتى تعلق قلبها به، ولنتحول الآن إلى نهر النيل، ولنتخيل أخت موسى وهي تمد الخطى لتراقب ذلك التابوت الذي قذفت به أمها في مياه النيل: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (٧) فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (٨) وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (٩) وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (١٠) وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (١١) وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ (١٢) فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (١٣) } [القصص] . وكأني بقول اللَّه تعالى: {وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (٥٠) } ، فكما أن موسى خرج من بيت فرعون، فما يدرينا. . . لعل اللَّه يخرج لنا من بيت أشد أعداء الإِسلام في هذا الزمان من يعيد إحياء هذا الدين كما خرج موسى الذي كان يسمى موسى بن فرعون ليعيد إحياء أمته بعده ٣٠٠ عامٍ من الذل والهوان! ولكن السؤال الذي يجب أن نطرحه على أنفسنا: هل هناك من نسائنا من هي مثل أم موسى التي تخلت عن رضيعها من أجل طاعة اللَّه؟ وهل هناك من نسائنا امراة صابرة مثل آسية بنت مزاحم؟ أتعلمون على ماذا صبرت الملكة آسية التي تعودت على الفرش الحريرية والوسائد الذهبية؟ لقد خيرهّا عدو اللَّه فرعون ما بين الكفر أو العذاب فاختارت هذه البطلة بكل ثقة وبكل إيمان العذاب على الكفر، وأبت أن تعطي الدنية في دينها, لذلك أشرف فرعون شخصيًا على تعذيبها حيث عَزَّ عليه أن تخرج زوجته على عقيدته، لتتبع عدوه موسى، فأمر بإنزال أشد أنواع العذاب عليها،
لامرأة من بني إسرائيل (يقال لها في كتب التاريخ اليهودية اسم يُكابد) مولودٌ ذكر اسمه (هارون) في السنة التي ليس لها قتل، ثم وُلد لها في سنة القتل مولودٌ ذكر، فخافت عليه خوفًا شديدًا، فأوحى اللَّه إليها عن طريق الإلهام أمرًا عجيبًا، فقد أوحى اللَّه إليها أن تضعه في تابوت، فتقُذفه في نهر النيل، فما كان من هذه السيدة العظيمة إلا أن استجابت لأمر اللَّه من دون أي تردد، ولكنها بعثت بابنتها لتترقب ذلك الصندوق المبحر في مياه النيل! فما الذي رأته أخت موسى؟ وماذا حصل بعد ذلك في هذه القصة العجيبة؟ ومن هي تلك المرأة المسلمة التي اعتبرها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من أعظم نساء العالمين؟ من هي تلك البطلة العملاقة التي أعتبرها شخصيًا أقوى امرأةٍ في تاريخ الإنسانية؟! يتبع. . . . .
كنت أتعجب فيما مضى عن سر تفصيل القرآن لقصة سيدنا موسى بالذات، فلقد ورد ذكر اسم موسى في القرآن ١٣٦ مرة في ٣٤ سورة، ذكر اللَّه فيها جميع مراحل حياته، ابتداء من قصة ميلاده، وحتى انتصاره على عدو اللَّه فرعون وحكاياته المريرة مع معاندي بني إسرائيل. فدار في خاطري وأنا أقرأ دعاء موسى في سورة طه: {وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (٢٧) } ، أن اللَّه ربما اختار موسى ليتكلم عنه بهذه الكثرة، بل وليكلمه بذاته العلية، ليثبت للبشر حقيقة إلهية خالدة، ألا وهي أن العظمة الإنسانية تكمن في أفعال الإنسان وليس كما يظنها البعض بفصاحة اللسان وحلاوة الكلام ووضوح المنطق! فموسى كان صعب اللسان، قليل الفصاحة، فكلمه رب الفصاحة بعظمة جلاله! فربما كان هذا سببًا من أسباب ذلك التفصيل لقصة موسى! ولكن الشيء الذي أنا متأكدٌ منه هو أن قصة موسى بالذات هي قصة بناء الأمم بامتياز، فأراد اللَّه تفصيلها للمسلمين لكي ينهلوا منها سُبل النهوض بأمتهم في أي وقت أرادوه، حتى ولو طال زمان الانحدار بهم، فقصة موسى وفرعون هي قصة نصر اللَّه لعباده المستضعفين في كل الأزمنة، وهي سنة اللَّه التي جرت في الخلق منذ الأزل، والتي تتلخص بأن اللَّه تعالى سوف يأخذ بيد المستضعفين ليرفعهم على المستكبرين ويورثهم أرضهم وديارهم ولو طال زمن الظلم والعدوان، لذلك أمر اللَّه رسول اللَّه في بداية روايتها بأن يقصها على المؤمنين لكي يتعظوا منها فقال تعالى: {نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٣) } ولنستمع الآن إلى ٧ آيات من سورة القصص أعتبرها ملخص قصة القيام الإِسلامي بعد سنوات الهزيمة والانحدار، يقول اللَّه: طسم (١) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (٢) نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٣) إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (٤) وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (٥) . وبدأ التنفيذ. . . . يقول اللَّه مباشرة بعد أن تلك الآيات: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى. . .} . فلقد كانت أم موسى هي أساس قيام الأمة بعد سنوات الهزيمة والانحدار، ولقد كان بناء أمة بأسرها يبدأ بامرأة واحدة، بل كانت هزيمة أكبر قوة إجرامية على على مر التاريخ الإنساني تبدأ بتلك المرأة، هزيمة أعظم جبارٍ عرفه الإنسان بدأت بامرأة فقيرة تسكن في بيت صغيرِ على ضفاف النيل، وهنا يأتي دور المرأة المسلمة في صناعة النصر، فالمرأة هي التي أراد اللَّه من خلالها أن يمن على الذين استضعفوا في الأرض ويجعلهم أئمة، فواللَّه لن تقوم أمة من هزيمتها وهي تحتقر نساءها! فزوجتك التي عودتها على الذل والهوان لن تنجب لك إلا ذليلًا! وأختك التي تضربها في الغداة والعشي لن تربّي إلا إمعة! وأمك التي لا تحترمها لن تدعو لك إلا بالهزيمة والخذلان! وابنتك التي تمنعها من العلم لن تكون إلا تافهة تضاف إلى التافهات في هذه الأمة! فاللَّه اللَّه في النساء، فهن أساس البناء الصحيح، وهن أساس القيام! وقصة أم موسى بدأت قبل ذلك بكثير، وبالتحديد قبل ٣٠٠ عام أو يزيد، في ذلك الوقت بيع طفل بثمن بخس في أرض مصر بعد أن وجدته سيّارة في بئرٍ من آبار فلسطين، هذا الطفل كان يُقال له (يوسف) ! ليصبح يوسف بذلك عبدًا عند ملك من ملوك (الهكسوس) الذين كانوا يحتلون مصر في حينها، ثم أصبح بعدها وزيرًا مقربا للملك، ليأتي بأهله جميعًا إلى مصر ليعيشوا في رعاية الملك في سلامٍ وأمان. ولكن المشكلة تبدأ بعد ذلك بسنوات عندما جاء الفرعون (أحمس الأول) ليُنهي دولة الهكسوس، وليعتبر أحفاد يوسف وإخوته خونة تعاونوا مع الاحتلال الهكسوسي لمصر، فكان ذلك هو سبب استعباد الفراعنة لبني إسرائيل، فلقد كان يوسف هذا هو يوسف بن يعقوب أو يوسف بن إسرائيل عليه وعلى أبيه وعلى جده وعلى أبي جده السلام، وكان ذرية يوسف وإخوته الأحد عشر هم أسباط بني إسرائيل الاثنى عشر! المهم أن بني إسرائيل رضوا بحياة الذل والإهانة في مصر لمدة ٣٠٠ عام، وهذه الأعوام الـ ٣٠٠ هي التي كونت الشخصية المميزة لأولئك القوم، فقد تعوّدوا خلالها على حياة الذل والاستعباد، حتى جاء فرعون من الفراعنة يسمى (رمسيس الثاني) ، هذا الفرعون كان سفاحًا مجرمًا، فلقد رأى ذلك الفرعون في منامه أنه سيولد في بني إسرائيل مولودٌ سيدمر حكمه ويزيل سلطانه، فقام هذا المجرم بقتل كل مواليد بني إسرائيل من الذكور، وبعد أن نقص عدد العبيد في قصره نتيجة لتقلص أعداد الإسرائيليين أمر فرعون بقتل الأولاد في سنة وإبقائهم في سنة، فوُلد
الإِسلام دين يحمل في جنباته كل مقومات العظمة والسؤدد، لا يلتزم به أحد من البشر إلا وشعر بقوةٍ عجيبة تجري في دمائه كجريان النهر في وديان الصحراء، لتجعل منه إنسانًا عظيمًا تظهر عظمته في بريق عينيه المتلألئة! فليس هناك في الإِسلام ما يدعو للخجل أبدًا، فالإِسلام دين السلام، وتحيتنا هي السلام، ودارنا في الآخرة هي دار السلام، وصلاتنا تنتهي بالسلام، ونبينا هو نبي السلام، وهو الذي كرّم موسى عليه السلام الذي ينتسب إليه اليهود، وهو الذي كرَّم عيسى عليه السلام الذي ينتسب إليه النصارى، وهو الذي كرَّم علي بن أبي طالب -رضي اللَّه عنه- الذي ينتسب إليه من يطعنون بشرف ابن عمه في الغداة والعشي، وهو الذي كرّم بني الإنسان وعظم إنسانيتهم بغض النظر عن ألوانهم وأعراقهم، وواللَّه إننا لو أحسنا الدعوة لهذا الدين لملكنا به قلوب الناس جميعًا حتى ولو لم يعتنق هؤلاء الإِسلام! ومريم ابنة عمران هي الإنسانة التي لم يخلق اللَّه إنسانة مثلها من لدن حواء إلى قيام الساعة! نحن نتحدث عن العذراء البتول، وعن الطاهرة المطهرة، وعن التقية النقية، وعن العابدة القانتة، نحن نتحدث عن الإنسانة التي كرّمها الإِسلام، فجعلها المرأة الوحيدة التي توجد سورة كاملة باسمها، والتي ورد اسمها في القرآن بأكثر من ثمانية أضعاف ما ورد فيه اسم نبي الإِسلام نفسه! ولن نبدأ الحديث عن مريم من مولد المسيح المعجز، ولن نبدأ من جذع النخلة التي هزته هذا المرأة البطلة، فكما اعتدنا في هذا الكتاب. . . نحن هنا لا نبحث عن الأبطال، بل نبحث عن سر صناعة الأبطال، وذلك لكي نصنع من أنفسنا وأبنائنا وبناتنا أبطالًا يعيدون إحياء هذه الأمة. . . . وصناعة البطلة مريم بدأت مع عصفورة صغيرة على شجرة من أشجار أرض فلسطين المباركة، هناك على غصون تلك الزيتونة كانت تلك العصفورة تطعم فرخًا صغيرًا لها، فصادف ذلك وجود سيدة كريمة من بني إسرائيل اسمها (حِنّة بنت فاقود) كانت زوجة لعالم جليل من بني إسرائيل اسمه (عمران) وهو رجلٌ من ذرية داود وسليمان عليهما السلام، المهم أن حِنة هذه لم يكن لها ولد، فلمّا رأت تلك العصفورة تطعم فرخها الصغير اشتهت الولد، فاستيقظت في داخلها عاطفة الأمومة، فدعت اللَّه أن يرزقها بالولد، فاستجاب اللَّه لدعائها، فلمّا أحست بالجنين يتحرك في داخلها أرادت أن تشكر اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، فنذرت ما في بطنها لخدمة بيت المقدس، فلما جاء المولود أنثى أسماها الزوجان باسم (مريم) وهو اسمٌ يعني (العابدة) باللغة العبرية، ولكن عمران وزوجته احتارا في أمر مريم، فلقد كان الذكور فقط هم من يُسمح لهم بالخدمة في القدس، ولكنهما على الرغم من ذلك ذهبا بها إلى القدس لكي يربياها تربية تصنع منها عظيمة من عظيمات التاريخ, وهنا يأتي دور الوالدين المهم والأساسي في صناعة العظماء، فما إن وصلا للقدس حتى تدافع علماء بني إسرائيل نحو تلك الرضيعة كلهم يريد أن ينال شرف تربية ابنة عالمهم الشهير عمران، فاختلفوا فيما بينهم أيهم يكفلها، فاتفقوا على أن يقترعوا فيما بينهم بقرعة عجيبة، وذلك بأن يرمي كل عالم منهم بقلمه في نهر الأردن، فيكون صاحب القلم الذي يسبح عكس التيار هو صاحب شرف تربية مريم، فجرف التيار كل الأقلام إلا قلمًا واحدًا وجدوه يجري عكس التيار، فلما أحضروا ذلك القلم وجدوه قلم رجلٍ صالحٍ يعني اسمه بالعبرية (مذكور اللَّه) وهو نبي اللَّه (زكريا) ! فرباها زكريا عليه السلام خير تربية، فنشأت مريم الطاهرة كوردة بيضاء في بستان طاهر، حتى أصبحت تلك العذراء العظيمة التي يعتبرها المسلمون سيدة من نساء أهل الجنة، بينما يعتبرها اليهود امرأة زانية زنت مع رجل اسمه (يوسف النجار) لتحمل بعيسى الذي لا يعترفون بنبوته (وربما كانت الأصول اليهودية لمؤسس المذهب الشيعي عبد اللَّه بن سبأ سببًا في طعن الشيعة بزوجات الرسول وزوجة إمامهم الحسن بن علي. . . . العربية!) ، وبسبب هذه التربية الصالحة أصبحت السيدة مريم العذراء مثالًا للعفة والطهارة لكل نساء العالمين، وليختارها اللَّه بعد ذلك لكي تحمل كلمته التي ألقاها عليها جبريل، لتكون بذلك صاحبة أطهر بطن، وأصفى حمل، وأسعد ميلاد. ولم يكتف اليهود بالطعن في شرف هذه السيدة الطاهرة، بل قاموا أيضًا باضطهادها وتعذيبها، حتى خرجت بوليدها الصغير هربًا إلى أرض مصر، قبل أن تعود إلى فلسطين بعد ذلك بسنوات! وفي مصر بالتحديد. . . . وُلدت سيدة أخرى من بني إسرائيل قبل ميلاد مريم بأكثر من ١٢٣٠ عام ليغير اللَّه بهذه السيدة البطلة حال أمة بأسرها؟ يتبع. . . . .
الخاصية السابعة: التعطش المخيف للدماء: يعتقد البعض أن جلد الشيعة لظهورهم بالجنازير وضرب رؤوسهم بالسيوف وإسالة الدماء من جباه أطفالهم هو مجرد شعائر دينية تعبر عن ندم الشيعة لخيانتهم للحسين، والحقيقة أن الموضوع أخطر من ذلك بكثير، فعلماء النفس يقولون أن الإنسان الذي يسيل الدماء من جسده تهون عليه إسالة دماء الآخرين بعد ذلك من دون أن يكترث لذلك، ثم إن الكلب الذي يتعود على رائحة الدماء يتحول إلى كلب مسعور ينهش بمن حوله، وربما يفسر هذا مدى الإجرام الفظيع الذي رأيناه بالعراق في السنوات الأخيرة، ولقد وصف هذه الظاهرة الخطيرة الشاعر الأعظم زهير بن أبي سلمى فأحسن وصف تلك الأجيال التي تتعود على الدماء فقال: فتنتج لكم غلمان أشأم كلهم * * كأحمر عادٍ ثم ترضع فتفطم. ولكن. . . . من أين جاء الشيعة بعقيدة الطعن بشرف الأنبياء؟ ومن هي المرأة الطاهرة التي طُعن بشرفها في أرض فلسطين قبل عائشة بمئات السنين؟ وما هي أوجه الشبه التي تربط بينها وبين عائشة؟ ولماذا اعتبرها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من بين أعظم نساء الأرض في التاريخ؟ فمن هي تلك العظيمة الإِسلامية التي ورد اسمها في القرآن الكريم في أربعةٍ وثلاثين موضعًا؟ يتبع. . . . .
اكتشف العالم سجونًا تحت الأرض يقوم فيها الشيعة بتعذيب المسلمين بثقب رؤوسهم بالمثاقيب الكهربائية. وغير ذلك الكثير من الخيانات القذرة لأولئك القوم الخونة.
الخاصية الثانية: الانحراف الجنسي الرهيب! الحقيقة أنني كنت سأصنف هذه الخاصية في المرتبة الأولى، غير أني رأيت من خيانات الشيعة ما يفوق انحرافهم الجنسي بقليل، إلا أنه لا شك أن الانحراف الجنسي للشيعة يعتبر ميزة مهمة يتميز رجال الشيعة ونسائهم على حدٍ سواء، ولعل اللَّه أراد أن ينتقم لنبيه بعد موته من أولئك القوم الذين يسبون شرف زوجته عائشة أحب الخلق إليه، فلقد شاعت المتعة عند الشيعة بشكلٍ مخيف، حتى أن إمامهم المفيد أورد في كتابه (خلاصة الإيجاز للمفيد صفحة ٥٦) أنه ليس على الرجل حرج إذا تمتع بامرأة عاهرة أو بامرأة متزوجة طالما أنها ذكرت له أنها عزباء! ولقد أخبرني صديقٌ كردي زار إيران مؤخرًا أن حدائق أصفهان أصبحت بيوت دعارة علنية، ولعل طعن الشيعة بشرف حبيب اللَّه محمَّد -صلى اللَّه عليه وسلم- سلط عليهم شر أعمالهم، فالجزاء من نوع العمل! لذلك انتشرت الخيانة الزوجية بين صفوف الشيعة بشكلٍ فاضح، وشاعت أنواع قذرة من الجنس الحيواني بين صفوفهم تشبه إلى حد بعيد تلك الانحرافات الجنسية التي سادت بين الفرس المجوس أيام كسرى أنوشووان.
الخاصية الثالثة: الحقد الدفين على العرب! بما أن محمدًا -صلى اللَّه عليه وسلم- الذي أطفأ نار المجوس كان رجلًا عربيًا، وبما أن عمر بن الخطاب -رضي اللَّه عنه- الذي أزال الإمبراطورية الفارسية من الوجود كان رجلًا عربيًا، وبما أن القبائل العربية الأصيلة طاردت كسرى يزدجرد وجعلته طريدًا كالكلب التائه في جبال آسيا وقفارها المجهولة، لذلك كله تحول العرب إلى العدو رقم واحد للشيعة عبر التاريخ, ويظهر ذلك بوضوح من خلال الدعاء الذي يردده الشيعة في حسينياتهم: "لعن اللَّه أمة قتلتك!" فالعرب كأمة كاملة -بدون استثناء- مستهدفون من الشيعة، ولا يخفي علماء الشيعة سرًا بأن أول شيء سيفعله المهدي المزعوم عند خروجه من السرداب هو أنه سيسفك دماء ١٠٠ قبيلة عربية! وحقد الشيعة على العرب يظهر جليًا من خلال تقديسهم لأبناء الحسين من زوجته الفارسية (شاه زنان بنت يزدجرد) مستثنين بذلك أبناءه من زوجاته العربيات، ناهيك عن أبناء أخيه الأكبر الحسن، ولقد لاحظت من خلال احتكاكي بشباب الشيعة أنهم يسمون العرب بالأعراب والبدو ورعاة الإبل ورعاة البعير والعربان، ونسي أولئك المجوس أن العرب البدو هم الذين دمرّا إمبراطورية فارس وأزالوها من خارطة الوجود، ومؤخرًا رفضت إيران تسمية الخليج العربي وأصرت على تسميته بالفارسي، ورفضت اقتراحًا بتسميته بالخليج الإِسلامي! الخاصية الرابعة: غلبة العاطفة على العقل! يستخدم علماء الشيعة عنصر العاطفة بشكل خبيث للغاية يمنع على أتباعهم المساكين تحريك العقل مستخدمين بذلك خدعة قديمة استخدمها إخوة يوسف عندما "جاءوا أباهُم عِشاءً يَبْكون" فالكاذب عادة يستخدم الدموع لإثبات حجته، وللشيعة أكثر من ثلاثين مناسبة في السنة ينوحون في بعضها ويرقصون في بعضها الآخر، وبذلك يضمن علماء الشيعة أن عامة الشيعة لن يحركوا عقولهم أبدًا، فلو حرك. هؤلاء عقولهم لدقائق معدودات فقط لاكتشف عامة الشيعة أن علماءهم يخدعونهم من أجل الخمس!
الخاصية الخامسة: التقية! التقية هي كلمة مرادفة للكذب عند الشيعة، وللشيعة مقولة مشهورة منسوبة إلى أبي عبد اللَّه أنه قال: (إن تسعة أعشار الدين في التقية، ولا دين لمن لا تقية له) فالكذب من أهم صفات الشيعة، ولذلك تجد أغلب الشيعة يتكلمون عن الأخوَّة الإِسلامية ونبذ الطائفية، مع العلم أنهم هم أساس الفتن والخيانات في التاريخ.
الخاصية السادسة: انتشار الأساطير والخرافات! وللإنصاف فإن هذه خاصية لا تخص الشيعة فقط، بل تخص جميع الأديان والمعتقدات المنحرفة (بما فيها بعض الجماعات من المنتسبين للسنة!) ، إلا أن الشيعة يتميزون عن باقي أديان الأرض أن دينهم بأسره قائم على الخرافة، فأهم اعتقاد لدى الشيعة هو اعتقادهم بالمهدي المنتظر (عج) ، فالشيعة يؤمنون بأن هناك طفلًا من أئمتهم من أم نصرانية اسمها (نرجس) كان قد اختبأ عام ٢٦٠ هـ في السرداب بعد أن علم أن شرطيًا من شرطة العباسيين يريد اعتقاله، وأطلق الشيعة على ذلك الطفل الذي يُدعى محمَّد العسكري اسم المهدي، والغريب أن ذلك المهدي ظل مختبئًا في السرداب حتى بعد أكثر من ألف سنة من موت الخليفة العباسي! ويؤمن الشيعة أن العصفور كان طائرًا بحجم النعامة اسمه فور تحول إلى عصفور بعد أن رفض الإمامة، ليتحول اسمه إلى (عصى فور) أو (عصفور) لمعصيته للأئمة! ويؤمن الشيعة أن البطيخة الحمراء موالية لأهل البيت والبطيخة الغير حمراء رافضة لولاية أبناء الحسين من شاه زنان بنت كسرى، والكثير الكثير من الخرافات السخيفة التي لا يتسع المقام لذكرها في هذا الكتاب.
يطعنون في عائشة: (الإِمام النووي): "براءة عائشة -رضي اللَّه عنها- من الإفك هي براءة قطعية بنص القرآن العزيز، فلو تشكك فيها إنسان والعياذ باللَّه صار كافرًا مرتدًا بإجماع المسلمين" . (الإِمام مالك): "أولئك اقوامٌ ارادوا الطعن برسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فما استطاعوا فطعنوا بأصحابه ليقولوا رجل سوء كان له أصحاب سوء، فمن طعن بأم المؤمنين عائشة فقد خالف القرآن، ومن خالف القرآن ارتد" . (ابن حزم الأندلسي): "قول مالك هنا صحيح وهي ردة تامة وتكذيب للَّه تعالى في قطعه ببراءتها" . (الحافظ ابن كثير): "أجمع العلماء رحمهم اللَّه قاطبة على أنَّ من سبَّها بعد هذا ورماها بما رماها به بعد هذا الذي ذكر في هذه الآية، فإنَّه كافر؛ لأنَّه معاند للقرآن" . (الإِمام السيوطي): "قذف عائشة كفر لأن اللَّه سبَّح نفسه عند ذكره فقال سبحانك هذا بهتان عظيم" . والآن. . . وبعد أن علمت أن هناك من يسبون أّمّك ويتهمونها بأنها زانية، ويلعنونها ليل نهار في قنواتهم، هل ستقف مكتوف الأيدي حيال ما تتعرض له من هجوم شرس، أم أنك ستدافع عن أمك؟ أما أنا فقد اخترت إعلان الحرب بقلمي هذا على أولئك السفلة، كائنًا في ذلك ما هو كائن، فوالذي خلق عائشة وزوَّجها لرسوله وطهرها من فوق سبع سماوات إن شرف أمي عائشة أعظم عندي من شرف أمي التي أنجبتني! لذلك اخترت أسلوب الهجوم الساحق على أولئك الأوغاد السفلة الذين يقدحون بزوج محمَّد -صلى اللَّه عليه وسلم- أشرف خلق اللَّه في الكون! ولمّا كان اجتثاث الورم الخبيث يتطلب أولًا تحديده، صارت دراسة خصائص الشيعة شيئًا مهمًا لفهم تصرفات الشيعة، لذلك قمت بتوفيقٍ من اللَّه أولًا ثم بمعونة من أبحاث كثيرٍ من علماء هذه الأمة، بعمل دراسةٍ اجتماعية أحاول من خلالها تحديد الخصائص الاجتماعية التي تحدد هوية أولئك القوم الذين يطعنون بعرض الرسول وصحابته: "الخصائص السبعة للشيعة" ملاحظة: يُستثنى من هذه الدراسة العلمية كل أخ شيعي شريف لا يؤمن بتحريف القرآن، ولا يسب أصحاب الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولا يطعن بشرف زوجته الطاهرة عائشة، حتى ولو كان هذا الأخ الشيعي ممن يفضل الإِمام علي -رضي اللَّه عنه- عن أبي بكر وعمر، وأما من كان غير ذلك، فهو يعلم أكثر من غيره أن هذه الخصائص تصفه بشكلٍ دقيق! الخاصية الأولى: الخيانة! وهي أهم خاصية من خصائص الشيعة الروافض على الإطلاق، فالخيانة مزروعة في كيان الشيعة زرعًا حتى أصبحت شيئًا مقدسًا لا يمكن للشيعة تركه أبدًا ولو حتى حاولوا ذلك، فلقد خان الشيعة الإِمام علي كما قرأنا من كتاب "نهج البلاغة" أهم مصدر من مصادر الشيعة، ثم خان الشيعة إمامهم الثاني الحسن بن علي وسرقوه حتى بساطه الذي تحت قدميه، ثم خان الشيعة إمامهم الثالث الحسين قبل أن يقتلوه كما رأينا من شهادة ابنه العلي بن الحسين، وخان الشيعة الخلافة الأموية، وخان الشيعة الخلافة العباسية، وحتى عندما حاول الخليفة العباسي هارون الرشيد أن يمنحهم بعض الاحترام بتعيين أحد الشيعة وزيرًا له، فقام ذلك الوزير الشيعي ويدعى (علي بن يقطين) بخيانة المسلمين كعادة قومه. وكان أول شيء فعله الخليفة العباسي الناصر لدين اللَّه عند اعتناقه للمذهب الشيعي هو أن راسل التتار لكي يطمعهم ببلاد المسلمين كما أوضح ذلك المؤرخ ابن كثير، ثم قام الخائن الأعظم مؤيد الدين بن العلقمي وزير الخليفة العباسي المستعصم بفتح أبواب بغداد للتتار بعد أن رتب مع هولاكو بمعاونة شيخ الطائفة الشيعية نصير الدين الطوسي قتل الخليفة المسلم واحتلال بغداد، على أمل ان يسلمه هولاكو امارة المدينة لكي ينبش قبور عائشة وأبي بكرٍ وعمر، وخانت الدولة الشيعية العبيدية (الفاطمية) المسلمين بشكلٍ قذرٍ للغاية، فتعاونوا مع الصليبيين ضد صلاح الدين، وتعانوا في الأندلس مع الصليبي صامويل بن حفصون ضد الخليفة عبد الرحمن الناصر باللَّه، وقتل الفاطميون ثلث الشعب المصري السني، وسرق الشيعة القرامطة الحجر الأسود من الكعبة وأخذوه لبلادهم وفي سنة ٢٩٤ هـ قتلوا الحجيج على أسوار الكعبة ونهبوهم، ثم قام الملك الشيعي إسماعيل الصفوي بالتعاون مع القائد الصليبي البرتغالي ألفونسو البوكرك لنبش قبر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وكاد أن يحدث ذلك فعلًا لولا أن بعث اللَّه للمسلمين صقرًا من صقور الأناضول يدعى سليم الثاني، ثم تحالف الصفويون مع المجر ضد المسلمين العثمانيين، ثم أتى الخميني ليعلن أن أمريكا هي الشيطان الأكبر لإيران، لتتفجر سنة ١٩٨٥ م عن طريق الصدفة فضيحة إيران كونترا (Iran-contra affair) التي اتضح من خلالها أن أمريكا تزود إيران بصواريخ متطورة عن طريق إسرائيل وذلك لكي تضرب بها المسلمين بالعراق، ثم في نهايات الثمانينات من القرن الماضي قتلت حركة أمل الشيعية اللبنانية أهل السنة والجماعة من الفلسطينيين في مجازر صبرا وشاتيلا بعد حصار دام أكثر من ٣ سنوات، ثم قام الشيعة سنة ٢٠٠٣ م باستحضار الغزاة للعراق لتقوم هناك المجازر البشعة ضد المسلمين، وفي عام ٢٠٠٧ م
لن نتحدث كثيرًا عن فضل هذه الإنسانة العظيمة في أمة الإِسلام، فيكفينا أن نورد حديثًا أخرجه الإِمام البخاري في موضعين من صحيحه للصحابي الجليل عمرو بن العاص أنه أقبل يومًا إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وجلس إليه ثم قال يا رسول اللَّه، أي الناس أحب إليك؟ فقال عليه الصلاة والسلام عائشة. فقال عمرو: ومن الرجال يا رسول اللَّه؟ فقال عليه الصلاة والسلام أبوها"! ففضل السيدة عائشة لا يختلف عليه مسلمان أبدًا، فهي زوج رسول اللَّه التي اختارها اللَّه له، فعائشة هي زوجة نبي الإِسلام، وهي من بين الخمسة الأوائل من رواة السنة النبوية التي تعتبر المصدر الثاني للتشريع الإِسلامي بعد كتاب اللَّه، فإذا قبلنا الطعن بعائشة، فيجب علينا إذًا أن نقبل الطعن بزوجها من باب أولى! ويجب علينا أن نرد ٢٢١٠ حديثا روتهم تلك الصحابية العالمة عنه! فأي دين سيتبقى لنا بعد ذلك؟! وأي إسلام نتحدث عنه حينها؟ وأي أمة هذه التي تنتمي إليها؟! لذلك سيكون معرض كلامي في الصفحات القليلة القادمة مُنصبًا بالأساس أولًا وأخيرًا على الدفاع عن عائشة وذلك لخمسة أسباب أحسب أنها أسبابٌ مهمة: (أولها) هو الدفاع عن اللَّه عزَّ وجَلَّ الذي اختار عائشة زوجًا لنبيه من فوق سبع سماوات والذي طهرها في كتابه، و (ثانيها) هو الدفاع عن شرف زوجها وعرضه، و (ثالثها) هو الدفاع عن جيل الصحابة بكامله الذي يتمثل بشخص عائشة، و (رابعها) هو الدفاع عن تاريخ هذه الأمة نفسه والذي يتعرض لحملة بشعة من غزاة التاريخ وعملائهم من الشيعة، أما (السبب الخامس) فهو سبب شخصي بحت. . فأنا بدفاعي عن عائشة. . أدافع عن أمي!" فالإنسان بفطرته غيورٌ على أمه، وهذه هي فطرة الإنسان التي خلقه اللَّه عليها والتي لا يُستثنى منها إلا عديمو النخوة والمروؤة، وهذه السطور أقصد من خلالها في الدرجة الأولى إيقاظ من كان نائمًا! وليسأل كل واحدٍ منّا نفسه: ماذا ستفعل لو أن أحدًا جاء وسبّ أمّك أمامك؟ ما الذي ستفعله إذا جاءك رجل لا تعرفه فيسبّ أمك ورفع صوته أمام كل الناس وقال لك إن أمّك ما هي إلا امرأة زانية؟ إذا كنت ستدعه وشأنه لتقول: "إن المسامح كريم" فمعنى هذا أنك تعاني فعلًا من نقصٍ في المروؤة إن لم يكن نقص الإنسانية! أما أنا فقد استعنت باللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وعزمت على الدفاع عن أمي "عائشة" بكل استماتة، فعائشة هي أمي كما هي أمك بدليل قول اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ} ، أما إذا كنت تعتبر نفسك غير مؤمن، فأنت لست في حاجة حينها للدفاع عنها، فهي أم المؤمنين فقط الذين نسأل اللَّه أن نكون منهم. فلقد آن الأوان لأولئك الذين هبّوا لنصرة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أن يهبوا مرة أخرى لنصرة عرضه وشرفه، فأمنا عائشة -رضي اللَّه عنها- تتعرض في السنوات الأخيرة لحملة شيعية شرسة تطعن في شرفها، فلقد تحولت القنوات الشيعية ومجالس حسينياتهم إلى منابر تنال من عرض النبي العظيم محمَّد -صلى اللَّه عليه وسلم- وهم الذين يزعمون حب النبي وأهل بيته! فإن لم تكن زوجة الرجل من أهل بيته فمن هم أهل بيت الرجل إذًا؟! أما نحن العرب فنعتبر نساءنا من أهالي بيوتنا، وأما إذا كان الفرس المجوس يعتبرون نساءهم خارج نطاق التغطية. . . فذاك أمرٌ آخر! والآن لنستمع إلى ما يقوله علماء الشيعة عن أمك عائشة -رضي اللَّه عنها- في أمهات كتبهم: (الخميني: الطهارة ج ٣ ص ٣٣٧): "عائشة والزبير وطلحة ومعاوية أخبث من الكلاب والخنازير" . (تفسير القمي لعلي إبراهيم القمي ج ٢ ص ٣٧٧): "وليقيمن الحد على عائشة فيما أتت بالطريق -يقصد الزنا- ولذا فقد ورد أن إمامنا المهدي المفدّى (صلوات اللَّه علي) عندما يظهر فإنه سيُخرج عائشة من قبرها ويُحْييها ليقيم عليها الحد، فالظاهر عندي أن عائشة كانت تعيش عقدة نفسية جنسية" . (ابن رجب البرسي: مشارف أنوار اليقين ٨٦): "إن عائشة جمعت أربعين دينارًا من خيانة" . (المجلسي: حياة القلوب للمجلسي ج ٢/ ٧٠٠): "إن العياشي روى بسند معتبر عن" الصادق: أن عائشة وحفصة لعنة اللَّه عليهما وعلى أبويهما قتلتا رسول اللَّه بالسم "." (شيخ الطائفة الشيعية الطوسي: كتاب الاقتصاد فيما يتعلق بالاعتقاد): "اللهم العين الشريرة الملعونة المفسدة الطاغية الباغية الكافرة الخارجة الكاذبة" . (الطبرسي: كتاب الاحتجاج ص ٨٢): "زيَّنت عائشة يومًا جارية كانت لها، وقالت: لعلنا نصطاد شابا من شباب قريش!" . أما العلماء الشيعة الحاليون فلهم تسجيلات بالصوت والصورة تقشعر لها الأبدان منتشرة على شبكة الانترنت يترفع القلم قبل صاحبه من ذكرها، فكلها عبارات جنسية قذرة في حق زوجة أطهر إنسان خلقه اللَّه في الأرض، في حق أمك عائشة زوجة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- والآن فلنستمع إلى أقوال علماء المسلمين في حكم علماء الشيعة السفلة الذين
البطلة وأم البطل وزوجة البطل وأخت البطل ومعلمة البطل، واعلمي أن زوجك من دونك لا يساوي شيئًا حتى وإن كان لا يظهر لك ذلك! واعلمي أن أولادك سيضيعون من دونك، واعلمي أن دورك قد حان لكي تصنعي بيديك قائدًا يحمل على عاتقه همّ قيام هذه الأمة من جديد، وكوني بطلة يذكرها التاريخ بعد موتها كما كانت أمك خديجة من قبل، فاللَّه اللَّه يا نساء الإِسلام، إن هذا الدين يستصرخكن في هذه اللحظة الحرجة في تاريخ أمة محمَّد، فواللَّه إن هذه الأمة لن تقوم على أيدي نساءٍ تافهات مشغولاتٍ بالطبائخ والمعجنات، وواللَّه إن هذه الأمة لن تقوم إلا على أيدي نساء يحملن هذا الدين في قلوبهن كما حملته خديجة في كل ذرة من كيانها، واعلمن أن صلاح الدين لن يخرج من رحم امرأة تافهة تقضي وقتها بمشاهدة المسلسلات، ومعاوية بن أبي سفيان أعظم ملك في تاريخ المسلمين لم يكن ليفتح شبرًا من الأرض للمسلمين لو أن أمه هند بنت عتبة لم تزرع فيه روح العظمة منذ نعومة أظافره، ومحمدٌ بن عبد اللَّه ما كان ليستطيع إكمال دربه لولا أن سخر اللَّه له امرأة مثل خديجة عليها السلام، ولتكن خديجة بنت خويلد قدوتكن القادمة، لا لكي تتعلمن منها فن الطبخ، بل لتتعلمن منها فن بناء الأمم! ومن أم المؤمنين خديجة، إلى أم أخرى للمؤمنين. . . . إلى أمك التي تُشن عليها الآن أقذر عملية طعن وتشويه تتعرض لها إنسانة في التاريخ فما الذي سوف تصنعه إذا ما علمت أن هناك من يتهم أمك بأنها زانية؟! يتبع. . . . . .
"يا خديجة هذا جبريل يقرئك السلام من ربك" (رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-)
اغرورقت عينا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بالدموع وهو يقلب بيديه تلك القلادة التي جاء بها رجل من قريش ليفتدي بها أخاه الذي أسره المسلمون في معركة بدرٍ "الكبرى" فلقد أيقظت تلك القلادة في فؤاد رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ذكريات تلك الإنسانة التي ملكت عليه قلبه ووجدانه قبل أن ترحل من الدنيا، لقد كانت هذه القلادة هي قلادة أعز مخلوقة على قلبه، لقد كانت هذه القلادة قلادة الإنسانة التي أحبته وواسته وسهرت على راحته، لقد كانت قلادة الإنسانة التي كانت تصعد جبال مكة الشاهقة لتضع الطعام والشراب له في غار حراء ثم تتركه هانئًا بخلوته، لقد كانت قلادة الإنسانة التي واسته بمالها وصحتها وروحها، تذكر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- تلك المرأة التي زمَّلته بالرداء لتهدأ من روعه بعد أن جاءه جبريل بالوحي لأول مرة، تذكر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو يقلب تلك القلادة تلك الإنسانة التي كانت تواسيه بحنانها بعد كل مرة يستهزئ به كفار مكة في طرقاتها, ليجد في عيون تلك الإنسانة كل معاني الحنان والطمأنينة، تذكر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- تلك الإنسانة التي صدقته يوم أن كذّبه الناس، وواسته يوم أن هجره الناس، وساندته يوم أن تخل عنه الناس، تذكر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- تلك الإنسانة الرقيقة التي ما سمع لها صوتًا مرتفعًا طيلة ربع قرنٍ من الحياة الزوجية الهانئة، تذكر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- تلك الإنسانة التي عانت معه من الجوع والعطش بعد حصار الكفار للمسلمين في شعب مكة، تذكر رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو يقلب القلادة بين يديه ذلك اليوم الذي خلعت به تلك الإنسانة هذه القلادة من عنقها لكي تلبسها لابنتها زينب يوم زواجها وابتسامتها الرقيقة ترتسم على محياها لتملأ البيت إشراقًا وبهجة، لتنعكس تلك الابتسامة في عيني رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فتحيي في قلبه اليتيم تلك السعادة التي حُرمها منذ طفولته، لقد تذكر رسَول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- هذه الإنسانة التي عوّضته عن سنين اليتم والحرمان التي عاشها طفلًا صغيرًا، فسالت دموعه -صلى اللَّه عليه وسلم- بحرارة على وجنتيه الطاهرتين، فلقد كانت هذه القلادة هي قلادة زوجته الحبيبة المحبة الوفية النقية الطاهرة الصادقة المخلصة البطلة خديجة بنت خويلد عليها السلام. كنت أظن أن الكتابة عن عظيمات الإِسلام ستريحني قليلًا من العناء الذي تكبدته في البحث والتحقيق خلال أشهرٍ من الكتابة المتواصلة عن أولئك العظماء الذين كتبت عنهم إلى حد الآن، وإذ بي أتفاجأ بأن الكتابة عن عظيمات هذه الأمة أصعب بألف مرة من الكتابة عن عظيميها! فنحن أمام شخصياتٍ من النساء العظيمات اللائي يعجز القلم قبل صاحبه عن وصفهن، وأتذكر هنا مقولة نسمعها كثيرًا "بأن وراء كل رجلٍ عظيم امرأة" ، إلا أنني أؤكد بعد دراستي لسير عظيمات الإِسلام أن تلك المقولة ما هي إلا مقولة خاطئة، بل إن هذه المقولة التي ورثناها من الغرب الذي يتشدق بالفضيلة وحقوق المرأة ما هي إلّا مقولة مهينة للمرأة، فالمرأة ليست جارية للرجل يستعبدها لتصنع منه عظيمًا في الوقت الذي تذهب هي فيه إلى عتمات التاريخ المظلم، فالمقولة التي أراها صحيحة من الناحية التاريخية هي "وراء كل أمة عظيمة امرأة!" ، وأنا هنا لا أجامل النساء على حساب الرجال، وإنما أؤكد على استنتاجٍ توصلت إليه من خلال دراسةٍ لا بأس بها لأحداث التاريخ, فلولا وجود امرأة عظيمة مثل خديجة لما قامت أمة الإِسلام! فالمرأة في الإِسلام هي كل المجتمع وليس نصفه كما يزعم البعض، ومكانة المرأة في الإِسلام تفوق بكثير مكانة مثيلاتها في دول العالم المتقدم، وقد عرفت شخصيًا مدى النعمة التي تنعم بها المرأة المسلمة بعد أن رأيت بأم عيني ما تعانيه المرأة الأوروبية من ظلمٍ واستعباد! فالمرأة في بعض الدول الأوروبية تضطر لنزع ملابسها قطعة قطعة لكي تحصل على بعض "اليورووات" لطعامها مقابل أن تظهر في إعلانٍ تبدو فيه شبه عارية بجانب سيارةٍ يشتريها الرجال! هناك تضطر الفتاة لخلع ملابسها لكي تظهر عارية في مجلة يستمتع بها الرجال لكي تأخذ هي من صاحب المجلة ما تدفع به إيجار شقتها وما تسد به رمقها! وكم أحسست بالاشمئزاز عندما رأيت نساءً يعرضن أنفسهن شبه عرايا من وراء زجاج المحلات في إحدى المدن الأوروبية "الكبرى" وكأننا ما زلنا نعيش في سوق نخاسة من أسواق القرون الوسطى! فإذا كنت طفلةً مسلمة، وإذا كنت فتاة مسلمة، وإذا كنت سيدة مسلمة، فارفعي رأسك عاليًا وناطحي بها شمس الأصيل وأفق السماء، فأنت ابنة خديجة التي أرسل اللَّه لها السلام من فوق سبع سماوات برسالة أوصلها إليها كبير الملائكة جبريل عليه السلام! واعلمي أن دورك في هذه الأمة يفوق دور الرجال فيها، فأنت
وكانت السيدة فاطمة -رضي اللَّه عنها- تشارك زوجها الفقر والتعب نتيجة للعمل الشاق الذي أثَّر في جسدها، فأنّى لكن أن تكنَّ مثل فاطمة وهي أعظم منكنَّ، وأبوها أعظم من آبائكنَّ؟! والحقيقة أن السيدة العظيمة فاطمة لم تأتي بهذه العظمة من فراغ، فهي وإن كانت بنت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فهي أيضًا بنت سيدةٍ عظيمةٍ من عظيمات أمة الإِسلام، لقد كانت فاطمة بنت أعظم زوجةٍ عرفتها الإنسانية عبر جميع عصورها، زوجة يتمنى كلُّ رجل في الدنيا أن يُرزق بامرأةٍ لها جزءٌ واحدٌ من مائة جزءٍ من الأجزاء المكونة لعظمتها، إن كان في صبرها أو حبها أو مساندتها لزوجها! فمن هي تلك السيدة العظيمة التي كانت أولَّ من آمن برسالة محمَّد -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ وما هي تلك الرسالة التي جاء بها الملك جبريل عليه السلام من اللَّه مباشرة لكي يوصلها لهذه السيدة العملاقة عن طريق زوجها؟ يتبع. . . . . .
"ما رأيت أفضل من فاطمة غير أبيها" (أم المؤمنين عائشة)
كاد فؤاد الصحابي الجليل (عبد اللَّه بن مسعود) يتفطر ألمًا وهو يرى بعينيه ما يحدث أمامه في باحة الحرم المكي، زاد من ألمه تلك القهقهات التي انطلقت من المجرم (أبي جهل) ورفاقه من سفهاء مكة، فلقد رأى المشركون رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يصلي عند بيت اللَّه الحرام، وذلك بعد موت عمه أبي طالب الذي كان يحميه من بطش الكفار، فنظر عدو اللَّه أبو جهل إلى رفاقه وسألهم: "أيكم يقوم إلى سلا جزور بني فلان فيأخذه، فيضعه في كتفي محمَّد إذا سجد؟" وسلا الجزور هو أمعاء الشاه بما تحمله من أوساخ، فانبعث المجرم (عقبة بن أبي معيط) فأخذه. فلما سجد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وضعه بين كتفيه. عندها ارتفعت ضحكات أولئك المجرمين على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو ساجدٌ لربه لا يحرك ساكنًا، فأصبح عبد اللَّه بن مسعود في حيرة من أمره، فالرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- لم أمر المسلمين بالصبر على أذى المشركين ونهاهم عن القتال في تلك المرحلة المبكرة من الدعوة الإِسلامية، وفي نفس الوقت عبد اللَّه بن مسعود رضي اللَّه عنه وأرضاه من المستضعفين في مكة الذين ليس لهم منعة، فلو قام ابن مسعود إلى الرسول ليحميه لنشب قتال بينه وبينهم بلا شك، ولدخل المسلمون في دوامة هم في غنى عنها في تلك المرحلة المبكرة، عند هذه اللحظة، رأى ابن مسعود طفلة صغيرة دون العاشرة من عمرها، تجرى كالبرق من بعيد بين شوارع مكة متجهةً إلى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلما اقترَبَت منه أزاحت الأوساخ عنه بيديها الصغيرتين، ثم اتجهت نحو أبي جهل ومن معه من السفهاء فشتمتهم بصوتها الطفولي وكأنها ملكة من ملوك الأرض، فصُعق أبو جهلٍ ومن معه من شجاعة هذه الطفلة الجريئة، وتساءل المشركون عن هويتها، فجاءهم الجواب: إن الجويرية البطلة فاطمة بنت محمد بن عبد اللَّه! تذكرت وأنا أستمع لقصة هذه الطفلة البطلة قصة الطفل البطل الزبير ابن العوام وهو رافعٌ سيفه -الذي يكاد يفوقه طولًا- في أزقة مكة، وذلك لكي يدافع به عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. الجميل في الأمر أن هذه البطلة هي بنت عمة ذلك البطل! فخديجة بنت خويلد أم فاطمة هي أخت العوام بن خويلد أبي الزبير، فسبحان الذي خلق الزبير! وسبحان الذي خلق فاطمة! وفاطمة بنت محمَّد رضي اللَّه عنها وأرضاها لم تكن بطلة فحسب، بل كانت ابنة بطل وابنة بطلة وابنة عمة بطل وزوجة بطل وأم بطلين عظيمين، وكأن البطولة تجسّدت وأرادت أن تختار لها اسمًا فلم تجد إلى اسم فاطمة! وكيف لا وهي تلميذة بيت النبوة التي تربت في أحضان أشجع مخلوقٍ خلقة اللَّه في العالمين، في أحضان والدها الذي كان يحبها حبًا ما أحبه أبٌ لابنته في تاريخ الدنيا بأسرها، وواللَّه لكأني برسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو على فراش الموت وفاطمة تدخل عليه حجرته، ولا أعلم هل كانت وطأة الموت أشد على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أم إحساسه بالضعف لعدم قدرته على القيام لابنته الحبيبة لتقبيلها بين جبينها؟ فقد كان رسول الرحمة يقوم من مجلسه دائمًا إذا ما أقبلت عليه ابنته ليقبلها بين عينيها ثم يجلسها مكانه، ولقد كانت هذه المرة الوحيدة التي يعجز فيها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن القيام لحبيبة قلبه، وكانت هذه المرة الوحيدة التي يعجز فيها أعظم إنسانٍ عرفته البشرية عن تقبيل جبين بنيته! وحكايات فاطمة رضي اللَّه عنها وأرضاها في البطولة والشرف لهي أكثر من أن تحصى وأعظم من أن تتسع لها صفحات معدودة في كتاب من الكتب، فالمواقف البطولية التي تصف عظمة فاطمة بنت محمَّد بن عبد اللَّه أكثر من أن تحصى في ألف ألف كتاب! فنحن لا نتكلم عن السيدة الأولى في بلد من البلدان العربية، ولا نتحدث عن سيدة مجتمع من الطبقات الأرستقراطية، بل نتحدث -وانتبه معي- عن سيدة نساء أهل الجنة!!! شرفٌ جعل من قلمي عاجزًا أن يكتب أكثر من ذلك، فماذا عساني أن أكتب عن سيدة هي سيدة نساء أهل الجنة؟! والحقيقة التي لا تعرفها أغلب بناتنا -ممن يطلبن لبن العصفور من خطابهن- أن هذه السيدة بنت السيد كان مهرها درعًا حُطَمِية كانت بحوزة الفارس علي بن أبي طالب رضي اللَّه عنه وأرضاه، والذي لا تعرفه كثيرٌ من بناتنا -اللائي يعتقدن أنهن ملكات الدنيا- أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لم يجد ما يهدي به بنته يوم زواجها سوى كوبٍ للشرب وجرتين للماء وخميلة ووسادة حشوها من الليف ورحاءين (مثنى رحى وهي حجر الطحن) ، فكانت هذه السيدة العظيمة تجرُّ بالرحاء حتى أثَّرت في يدها، وتستقي بالقربة حتى انحنى ظهرها، وكانت تنظف بيت زوجها حتى تغير ثيابها، وتوقد تحت القدر بنفسها حتى تحترق ثيابها.
"أرجوك يا أبي أن ترجع لكي تستعيد كرسي السلطنة الذي تركته لي، فأنا ما زلت صغيرًا على تقلد هذا المنصب الكبير، فإذا كنتَ أنت السلطان فتعال وادر أمور دولتك، وإذا كنتُ أنا السلطان، فإني آمرك أن ترجع لتدير أمور السلطنة!" (محمَّد الفاتح)
كان الألم يعتصر قلبي عندما استوقفني شابٌ عربي لكي يسألني إن كان اسم "مراد" اسمًا عربيًا أم لا!! وكان سبب شعوري بالألم يكمن في ثلاثة أسباب: سببٌ منها خاص بي شخصيًا، والسببان الآخران يخصان حال الأمة بأسرها، أما السبب الخاص فهو أن اسم "مراد" بالتحديد هو اسمٌ عزيزٌ على قلبي، فهذا الاسم هو الاسم الذي يحمله الأخ الوحيد الذي يصغرني سنًا من بين تسعة إخوة! أما السبب الثاني لشعوري بالأسى هو إدراكي بمدى ضعف شباب هذه الأمة باللغة العربية، لغة القرآن، لغة محمَّد -صلى اللَّه عليه وسلم-، فمراد هو اسم المفعول من أراد يريد، وهو المطلب والمبتغى، ومراد هو أبو قبيلة من العرب الأقحاف، وهو مراد بن مالك بن زيد بن كَهْلان بن سَبَأ بن يشجب بن يعرب أبي العرب العاربة أصل العرب!! أما السبب الثالث لشعوري بالأسى فهو إدراكي لمدى الجهل الذي يعانيه شباب هذه الأمة بتاريخهم، فمراد هو اسم لبطل إسلامي عظيم أنجبته أمة محمَّد -صلى اللَّه عليه وسلم-، وهو السلطان مراد الثاني بن السلطان محمَّد الأول بن السلطان بايزيد (الصاعقة) رحمهم اللَّه أجمعين. وسبب اختيار لهذا الرجل ليكون ضمن قائمة المائة هو أن هذا الرجل يعتبر قدوة لكل الآباء في هذه الأمة التي آن لها أن تستفيق من سباتها، فكم رأيت خلال إقامتي في أوروبا شبابًا في عمر الزهور قضى عليهم آباؤهم بإهمالهم لهم وانشغالهم بجمع الدولارات، ولا أنسى دمعة ذلك الشاب العربي المسكين الذي قال لي والأسى يعتصر قلبه أنه كان يتمنى لو أن أباه قد علّمه شيئًا من كتاب اللَّه، فقد تركه والداه بدون أن يعلِّماه شيئًا من العربية، بل إن ذلك الشاب كان يتمنى أن لو علمه والداه نطق الشهادتين! وبطلنا السلطان مراد الثاني لم يصنع من ولده طبيبًا لكي يُكتب اسم أبيه بجانب اسمه في العيادة، ولم يعلم ولده التجارة لكي يدير له المصنع بعد مماته، ولم يقضِ حياته يدرب ابنه على الخلطة السرية لأحد أطباق الطعام لكي يطمئن على مطعمه الشهير بعد مماته، بل قام السلطان العظيم مراد الثاني بصناعة رجل! فصناعة الرجال هي التي تخلد الإنسان! فكم سنا يعرف اسم جدِّه السادس؟ أو جدِّ جدِّه؟ أو حتى اسم جدِّ أبيه؟ فالذي يخلد سيرة الإنسان في الدنيا إنما هي أعماله، وإن لم تكن أعماله فهي أعمال أبنائه الذين كان هو من صنعهم! فمن كان يعتقد أن العظماء يُولدون عظماء فهو واهم غارقٌ في وهمه، فالعظمة ما هي إلا نتاج تربية الأهل ورعاية المجتمع وتحصيل الشخص نفسه وفوق ذلك كله توفيق اللَّه، والذي لا يعرفه الكثير عن محمَّد الفاتح الذي فتح الآفاق ونشر الإِسلام في ربوع الأرض وأجاد الشعر واللغات والأدب والهندسة، لم يكن في طفولته إلا طفلًا مهملًا يستحق أن يوضع في مدارس الأحداث لو كان في زماننا هذا، فهل تركه والده السلطان مراد على حالته تلك؟ وهل أخذ يلوم زوجته على سوء تربيتها لولده؟! لقد جلب السلطان مراد المعلمين من جميع أرجاء السلطنة لولده الصغير, ولكن الأمير المشاكس محمَّد الثاني استمر في استهتاره، وأخذ يهرب من الدروس لكي يلهو ويلعب، فذهب السلطان مراد الثاني إلى شيخٍ كبير اسمه الملا الكوراني (وهو لا يمت بأي صلة للكوراني، العالم الشيعي المعاصر صاحب نظرية تحريف القرآن!) وأعطى السلطان مراد الثاني الملا الكوراني قضيبًا ليضرب به ابنه إذا شاغب، وفعلًا نجحت التربية المرادية، فتربى محمَّد الثاني خير تربية على يد الشيخ الكوراني، فحفظ القرآن، ونظم الشعر، وأتقن اللغات، وتعلم فنون القيادة من أبيه الذي كان يأخذه معه إلى المعارك ليتدرب فيها إدارة الأزمات، وفي الوقت الذي لا يستأمن فيه معظم آبائنا أولادَهم حتى على أمور المنزل، نرى أن السلطان مراد الثاني استأمن ابنه محمَّد على الإمبراطورية بأسرها وهو صبي صغير، بل وتنازل السلطان مراد الثاني لولده عن السلطنة في حياته ليدربه على الحكم، وليتفرغ هو للعبادة، ليصنع منه ذلك الفارس البطل، ولتكون جميع فتوحات محمَّد الفاتح في ميزان أبيه البطل صانع الانتصار الحقيقي السلطان العثماني البطل مراد الثاني رحمه اللَّه، وليكون مراد بذلك هو الفاتح الحقيقي لمدينة هرقل. وبعد. . . . كان هذا أنموذجًا رائعًا عن دور الآباء في صناعة نهضة الأمم، ولكن ماذا عن دور الأمهات؟ ماذا عن دور الزوجات الصالحات؟ ولماذا يعتبر دورهن أهم بألف مرة من دور الآباء والأزواج في صناعة الرجال؟ أعتقد أن الوقت قد أزف لكي نبحر قليلًا في بحار عظيمات أمة الإِسلام اللائي خلّدهن تاريخ هذه الأمة بصفحاتٍ ذهبية كتِبت سطورها بمدادٍ من ماء العيون! يتبع. . . . . . .
ليكون صاحب بشارة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فحاصرها المسلمون إحدى عشرة مرة، فكان أول بطل منهم هو القائد الأموي يزيد بن معاوية رحمه اللَّه، ثم حاول القائد الأموي البطل مسلمة ابن عبد الملك بن مروان رحمه اللَّه الكرة مرتين على القسطنطينية، الأولى في عهد الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك، والثانية في عهد الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز (انظر إلى همة الأمويين!) . وعلى الرغم من أن فتح القسطنطينية وحده يؤهل السلطان محمَّد الفاتح لكي ينضم إلى قافلة العظماء المائة في تاريخ الإِسلام، إلّا أن الفاتح لم يكتفِ بذلك، فعظمة السلطان محمَّد الفاتح لا تكمن فقط في كونه هو الرجل الذي فتح القسطنطينية فحسب، بل تكمن بما فعله بعد فتحه لتلك المدينة العظيمة: فقد قام الفاتح رحمه اللَّه بتحويل اسم "القسطنطينية" إلى "إسلامبول" أي "مدينة الإِسلام" ، ثم حُرِّفت بعد ذلك إلى "إسطانبول" ، وأمر هذا الخليفة المسلم بالعفو عن جميع النصارى في القسطنطينية، وأمَّنهم على أرواحهم وممتلكاتهم، وأمر بترك نصف عدد الكنائس للنصارى وتحويل النصف الآخر إلى مساجد يذكر فيها اسم اللَّه، على الرغم من أن قانون الحرب في ذلك الزمان يتيح للفاتح أن يفعل ما يراه في البلد المفتوح، وقارن ذلك بما فعله الصليبيون الكاثوليك من مجازر في حق إخوانهم من الأرثذوكس في القسطنطينية إبان زمن الحروب الصليبية، وقارن ذلك بما فعله الإسبان من مجازر في حق المسلمين ومن تحويل كل مساجد الأندلس إلى كنائس وحرق كل مكاتبها (سيأتي ذكر ذلك تباعًا في هذا الكتاب إن شاء اللَّه) ، ثم دعا الفاتح السكان الهاربين -من أرثوذكس وكاثوليك ويهود- إلى العودة إلى بيوتهم بالمدينة وأمنّهم على حياتهم، كذلك أطلق السلطان محمَّد الفاتح سراح السجناء من جنود وسياسيين، ليسكنوا المدينة ويرفعوا من عدد سكانها، وأرسل إلى حكّام المقاطعات في الروملي والأناضول يطلب منهم أن يرسلوا أربعة آلاف أسرة لتستقر في العاصمة، سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين أو يهود، وذلك حتى يجعل من جتمعها مجتمعًا متعدد الثقافات. وأمر ببناء المعاهد والقصور والمستشفيات والخانات والحمامات والأسواق الكبيرة والحدائق العامة، ولم يكتفِ هذا الأمير الإِسلامي العظيم بفتح القسطنطينية التي تكفل له الخلود في صفحات التاريخ الإنساني، بل قام أيضًا بفتح بلاد الأفلاق (رومانيا) وبلاد البوشناق (البوسنة والهرسك) وبلاد البغدان (مولدافيا) وبلاد القرم (أوكرانيا) وبلاد القرمان (جنوب تركيا) وفتح الفاتح بلاد الفلاخ الرومانية بعد أن هزم ملكها السفاح (دراكولا) ، (ودراكولا هذا هو نفسه دراكولا مصاص الدماء الشهير، وما لا يعلمه شبابنا من محبي أفلام الرعب أن البطل المسلم محمَّد الفاتح هو من قتل دراكولا الذي كان يعيث فسادًا في الأرض) وفتح الفاتح (بلغاريا) و (ألبانيا) و (المجر) و (ألبانيا) و (مقدونيا) و (الجبل الأسود - مونتينيغرو) و (كرواتيا) و (صربيا) و (سلوفينيا) و (سلوفاكيا) وفتح الفاتح بلاد الإغريق (اليونان) وحافظ على تراثها القديم (على عكس ما سيفعله اللاتين الصليبيين بالتراث الإغريقي بعد ذلك بمائتي عام) ، وفتح الفاتح (المجر) وأجزاء من (روسيا) وحاصر (رودس) وفتح الفاتح جنوب (إيطاليا) لكي ينال شرف فتح القسطنطينية وروما في آن واحد، وفعلا تقدم نحو روما، إلا أن اللَّه سبحانه وتعالى أراده إلى جواره بعمر ٥٣ سنة فقط قضاها في نشر دين اللَّه في أصقاع أوروبا, ولكي تنتهي بذلك قصة عظيم إسلامي عظيم احتفل بابا روما شخصيًا ثلاثة أيام بموته وقال عنه المؤرخ الفرنسي الشهير (جي ييه) : "ينبغي على جميع النصارى في العالم أن يدعو الرب ألا يظهر مرة أخرى رجلٌ في صفوف المسلمين مثل السلطان محمَّد الثاني" . والذي لا يعرفه الكثيرون عن سيرة هذا الأمير الإِسلامي العظيم، أنه لم يكن بطلًا عسكريًا فحسب، بل كان شاعرًا من أعظم شعراء المسلمين على مر التاريخ, له ديوان في غاية الروعة لا يتسع المجال هنا لذكر ما يحتويه من رقائق وروائع، وكان هذا العملاق التركي حافظًا لكتاب اللَّه، عاملًا بسنة رسوله، معظمًا للعلماء، وكان يتقن العربية والعثمانية والفارسية والسلافية واللاتينية والاغريقية واللاتينية، وكان أعوانه يشاهدونه يبكي في ظلمات الليل وهو يصلي للَّه ويتضرع له. فصدق الصادق المصدوق محمَّد -صلى اللَّه عليه وسلم-، فنعم الأمير أنت أيها السلطان محمَّد، فرحمك اللَّه أيها الفاتح. . . . . يا صاحب بشارة رسول اللَّه! ولكن الشيء الآخر الذي لا يعلمه الكثير من المسلمين، أن هذا البطل المتنوع المواهب ما كان في صغره إلا صبيًا متسكعًا مهملًا يتوقع له الجميع الفشل في الحياة! فمن الذي صنع منه هذا البطل الأسطوري وحوله إلى عظيمٍ من عظماء أمة الإِسلام ليصبح صاحب بشارة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-؟ يتبع. . . .
"لتفتحن القسطنطينية. . . . فلنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش" (رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-)
كاد السلطان (محمَّد الفاتح) أن يغمى عليه من هول الصدمة، فلقد أخذه أستاذه الشامي (شمس الدين آق) بعد صلاة الفجر إلى مكانٍ مجهولٍ خلف أسوار القسطنطينية، هناك طلب منه أستاذه أن يحفر بين الصخور المتراكمة وأن يزيل بمعوله النباتات التي تشابكت أغصانها حول تلك التلة خلف تلك الأسوار العالية، في نفس الوقت أخذ الشيخ شمس الدين يتلفت يمينا وشمالا ليتثبت من هذا الموقع الذي رآه في منامه في تلك الليلة، عندها اصطدم معول الفاتح بلوحةٍ حجرية مكتوبة باللغة اللاتينية التي كانت إحدى اللغات السبع التي يجيدها السلطان الشاب محمَّد، فما إن فرغ الفاتح من قراءة تلك اللوحة حتى انهمرت دموعه بغزارة وكاد أن يسقط على الأرض وهو ينادي بأعلى صوته: أيها الأستاذ. . . . لقد وجدته! لقد وجدت قبر الرجل الأسطورة، لقد وجدت قبر صاحب رسول اللَّه! لقد وجدت قبر أبي أيوب الأنصاري! لقد كان ذلك بالفعل هو قبر صاحب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- أبي أيوب الأنصاري، فلقد لاحظ الروم أن يزيد بن معاوية رحمه اللَّه قام بدفن أبي أيوب على أسوار القسطنطينية بناءً على وصيته، فعندها سأل الروم المسلمين عن أمر ذلك الرجل، ليخبرهم المسلمون بأنه رجل من خيرة أصحاب نبيهم، وأنهم سيدمرون أخضر الروم إذا ما فكروا يومًا ما في نبش القبر بعد رحيل المسلمين عنه، فلما رحل يزيد بالحسين ومن معه من الصحابة والتابعين، ذهب الروم إلى ذلك القبر وأخذوا يتبركون به ظنًا منهم أن صاحب القبر بإمكانه منحهم البركة لأنه من الأولياء الصالحين، ولم يعلم أولئك المشركون أن من في القبر لا يسمعهم، ولو سمعهم ما استجاب لدعائهم! فظل الروم الجهلاء يتبركون بالقبر بعد أن بنوه بالرخام وكتبوا عليه قصة صاحبه باللاتينية، إلى أن اختفى القبر بعد مئات السنين نتيجة لعوامل الطقس والبيئة، حتى جاء العثمانيون الأبطال وفتحوا القسطنطينية، فجاءت تلك الليلة التي رأى بها العالم الدمشقي شمس الدين آق كبير كبير علماء المسلمين مكانَ القبر في منامه، ليبنى المسلمون جامعًا بجانبه اسمه جامع أبي أيوب الأنصاري (موجود إلى الآن في إسطانبول) وليكون ذلك الجامع هو المكان الذي يتولى فيه سلاطين بني عثمان الخلافة عند بداية عهد كل خليفة عثماني مسلم! والآن. . . . . لنرجع إلى قصة هذا السلطان العثماني البطل: محمَّد الفاتح، أو محمَّد الثاني كما تحب كتب المناهج العربية أن تطلق عليه، وكأن من وضعوا هذه المناهج الدراسية لا يريدون لنا أن نسمع كلمةً بها رائحة النصر أو الفتوحات من قريب أو بعيد، وكأنه كُتب علينا أن نظل أسرى لقصص الهزائم والنكبات والنكسات، وواللَّه إننى ما عدت الآن ألوم أولئك الشباب اليائس المحطم الذين أقابلهم بين العين والآخر لأسمع منهم كلمات الهزيمة الداخلية ولأرى في أعينهم علامات الانكسار النفسي والهوان، فبعد أن تعمقت في تاريخ الأمة، وأدركت عِظم قدر التزييف الذي يتعرض له تاريخنا بأسره، أيقنت أن هؤلاء الشباب ما هم إلا ضحية من ضحايا الغزو التاريخي الرهيب الذي وضع لهم مناهجهم التي تعلموها في مدارسهم، ولا شك أن تلك الهزيمة النفسية التي زرعت في شبابنا زرعًا هي التي تدفعهم لكي يلقوا بأنفسهم إلى بحار الظلمات، ليصبحوا وجبة شهية لأسماك البحار المفترسة، وما هذا العمل الذي أقوم به في هذا الكتاب، إلّا محاولة لزرع روح الأمل في شباب الأمة من جديد، من خلال تسليط الأضواء على المواقف المشرقة أصلًا في تاريخ هذه الأمة. وبطلنا الآن هو شابٌ أيضًا لم يكن قد تجاوز الثالثة والعشرين من عمره عندما فتح القسطنطينية، إننا نتحدث عن رجل لم يفتح مدينة عادية من مدن العالم، إننا نتحدث عن رجلٍ فتح القسطنطينية! تلك المدينة التي كتب عنها (نابليون بونابرت) في مذكراته من منفاه في جزيرة "سانت هيلينا" "أنها عاصمة العالم بأسره إذا ما كان العالم دولةً واحدة" ، بل إن هذه المدينة حظيت باهتمامٍ شخصي من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على عظمته وقدره، ليس من أجل جمال طبيعتها الخلابة وموقعها الاستراتيجي الخطير بين أوروبا وآسيا، بل لأن القسطنطينية كانت هي عاصمة الكفر في العالم آنذاك، ولتقريب الصورة أكثر فإن القسطنطينية كانت بمثابة "الفاتيكان" قبل فتح المسلمين لها، بل إن اسم القسطنطينية مشتق من اسم الإمبراطور الروماني (قسطنطين) واضع أسس الديانة المسيحية الحديثة التي تعتقد بألوهية المسيح عليه السلام (وقد تحدثنا عن ذلك مفصّلا في معرض حديثنا عن آريوس) ، أضف إلى ذلك أن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- قد مدح فاتح القسطنطينية بنفسه عندما قال: "لتفتحن القسطنطينية، فلنعم الأمير أميرها ولنعم الجيش ذلك الجيش" ، لذلك أراد كل قائدٍ عظيم من عظماء المسلمين أن ينال هو شرف فتحها