•• أعتقد أن الإنسان لا يتجاوز الفقد ( عموماً ) أبداً يرضى بالقضاء، يوقن بربه الرحيم اللطيف، يوقن باجتماعٍ ثانٍ، يبكي اشتياقاً أحياناً، يسكن فؤاده لأنها إرادة الله، تُلهيه الحياة شيئاً، تمر الأيام فيبكي من فرط الحنين لكن لا يتجاوز الفقد وإن مرّت أعوام، لا يُشغل ذاك المكان الفارغ في قلبه أبداً وأبلغ تعبيرات الفقد: ( وأصبح فؤاد أم موسى فارغاً إن كادت لتُبدي به لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين ).
لن تشعر بفاجعة الموت في حينه .. حتى هذا البكاء الذي ينتابك من هول الصدمة لن يشعرك به .. ستشعر به عندما تجد أماكنهم الفارغة ماثلةً أمامكَ دون وجودهم فيها .. عندما تفتقد حضور وجوههم، وروائحهم، وحديثهم .. عندما تتفقد دفء أياديهم فلا تجده، وصوت ضحكاتهم فلا تسمعه .. يمكنك أن تشعر بذلك ليلة عيد، وأنت تنتظر على أمل أن يأتوا ليجعلوا عيدك عيدًا، فلا يحدث .. عندما تصبح أقصى أحلامك عناق صغير تضمهم به لعله يروي ظمأ فراقهم، فلا يحدث ..
سيظل جزء منّا مبتور حتى نلقاهم فى جنة نعيم فكُل أمرٍ في أوّله جَلل ثم يهون؛ إلا الموت وإن بدا هيّن لا يهون ..!
أمواتنا لا نبكيكم اعتراضاً، فكل نفسٍ ذائقة الموت ... ولكن نبكيكم افتقاداً واشتياقاً ... ربّ أنر قبورهم وارحمهم برحمتك التي وسعت كل شيء.
تعِب القلبُ من الفقد، ولولا صبر أمدّنا به الله لهلكنا.
كلما فقدتُ شخصًا من أحبّتي رحمهم الله، أستذكر أن الجنة مليئة بالرفاق، والأحباب والأصحاب، والجيران، وأن بها رسولنا عليه السلام، وليس هناك تعب ولا نصَب، ولا نزوح ولا تشرّد، ولا خوف أو جزع أو قلق، فلا مستقبل مجهول ولا حرب عنيفة غامضة، ولا عالم متفرّج صامت على الدماء والمجازر والدمار، ولا مفاوضات كاذبة مُرهِقة، ولا أزيز طائرات ولا قذائف ولا قصف عنيف، ولن تُذكر هناك المجاعة إلا في حديثهم عنّا، وتملأهم الطمأنينة والراحة والسكينة.
اللهمّ صبّرنا على فراقهم، وألحِقنا بهم وأنت راضٍ عنّا.
•• نمشي في الأسواق نبحث طوال اليوم عن شيء لنطعمه أطفالنا فلا نجد، حتى رغيف الخبز الذي نخره السوس واقتات عليه الدود، نحصل عليه بمشقة بالغة، هذا ونحن في جنوب غـزة فما بالكم بمن هم في شمالها !!
اللهم أطعم جائعنا، وآمن خائفنا، وآو مشردنا، ولا تحوجنا لأحد من خلقك، فحاجتنا إليك، وإيماننا بك، وتصديقنا لك، فأنت القائل؛ فإن مع العسر يسرا، إن مع العسر يسرا، فاللهم أتبع عسرنا يسرا، وهمنا فرجا، وضيقنا سعة وفرحا !!