عام من حرب الإبادة ضدّ أهل غزة…
هل أخفقت الدعوة لأنسنة القضية الفلسطينية؟
==
عام مرّ منذ بداية معركة طوفان الأقصى، التي ليست لدى المنصفين سوى ردة فعل على عقود من الإجرام الصهيوني بحق فلسطين وأهلها. هذا العام الأكثر سخونة في الألفية الجديدة، تزاحمت في صفحاته الأحداث الجسام، وشهد ما لا يحصى من القضايا السياسية والفكرية والجدلية، لنجد أنفسنا في تتمة هذا العام مضطرين لتقييم هذه الفترة، سواء ما يتعلق بأمتنا أو بالغرب والمجتمع الدولي.
من هذه القضايا التي ألفيتها بحاجة إلى تسليط الضوء عليها ومراجعتها وتقييمها، هي دعوتنا منذ انطلاق المعركة والعدوان الإسرائيلي الوحشي المستمر على غزة، إلى أنسنة القضية الفلسطينية.
ارتأى الغالبية العظمى منا أو ربما مجموعنا، العمل على أن تأخذ الحرب على غزة بعدا إنسانيا، من أجل الحصول على تعاطف الشعوب والمنظمات والأنظمة، وتوسيع دائرة التعاطف مع القضية الفلسطينية، وأن من شأن ذلك أن يعطيها زخما، ويستميل أحرار العالم على مشتركات القيم الإنسانية العامة، التي تتقاطع فيها جميع الأطر الدينية أو الثقافية لكل شعوب العالم.
اعتماد مقاربة إنسانية في خطابنا عن الحرب على غزة، وتجريدها من السرديات الدينية والسياسية، ومنحها السمت الإنساني، تأسس بناء على إدراك عام، بأن الصورة الذهنية للغرب عن الإسلام مشوهة بسبب التنظيمات المتطرفة، التي رفعت الراية الإسلامية، وقدمت صورة نمطية سلبية عن الإسلام، فمن ثم ينبغي وفق هذه الرؤية تعبئة الخطاب بالسمت الإنساني، ليتعامل معها الغرب متجاوزا ما استقر في ذهنيته عن الجماعات الإسلامية، وتعزيز فكرة أن المقاومة الفلسطينية لا تخوض حربا دينية، وإنما تدافع عن أرضها، وفقا لما أجمعت عليه دساتير العالم ومنظومته الحقوقية.
كما بُنيت هذه الرؤية على ضرورة تفويت الفرصة على العدو الصهيوني، الذي لا يتورع عن التصريح بالبعد العقائدي الديني لمعركته، واستدعاء النصوص والنبوءات المقدسة لدى اليهود، التي تعزز خطوات المشروع الصهيوني، وأعني تفويت الفرصة على رغبة حكومة اليمين الإسرائيلي المتطرف في أن نعلن إسلامية المعركة بدورنا.
والفرق بين الحالتين، أن استدعاء الصهاينة للبعد الديني هو أمر مقبول لدى المجتمع الدولي، لأن الدين هو الرابط الوحيد الذي اجتمع عليها يهود العالم، أما في الحالة الإسلامية، فليس مقبولا لدى المجتمع الدولي وشعوب الغرب أن نعلن أسلمة المعركة، لأنه قد استقر في العقلية الغربية أنها رافد للتطرف والإرهاب الذي مارسه تنظيم «داعش» على سبيل المثال، والذي لم يعد هناك شك في أنه صناعة استخباراتية لكل مدقق في السياق الحركي للتنظيم.
وما من شك في أن هذا الخطاب، أحدث تأثيرا على مستوى الشعوب والمنظمات الحقوقية، حيث تواترت المشاهد ناقلة نبض شعوب العالم تجاه هذه الأحداث، التي أيدت الحق الفلسطيني، وتعاطفت مع أهل غزة في محنتهم، فأصبحت بعض الجامعات الأمريكية والأوروبية في حالة سخونة مقلقة للأنظمة، التي فوجئت بنقمة تلك الجماهير على سياساتها الداعمة للاحتلال الإسرائيلي، وتعالت أصوات النداءات لوقف دعم الكيان المحتل.
كما صدر من حكومات بعض الدول غير العربية وغير الإسلامية مواقف مشرفة، مثل البرازيل والإكوادور وجنوب افريقيا. في المجمل، إعطاء الحرب على غزة والقضية الفلسطينية بعدا إنسانيا، أثار حالة غير مسبوقة من التعاطف من قبل شعوب العالم والعديد من المؤسسات والمنظمات الدولية إضافة إلى النخب الثقافية والسياسية.
ومع أننا نثمّن هذا التعاطف من أحرار العالم على اختلاف مشاربهم وهوياتهم، وندين لهم بالشكر على هذه المواقف المشرفة، إلا أننا لا نجد بدا من التساؤل:
ما هو حجم التأثير الفعلي لهذا التعاطف مع قضية غزة وفلسطين؟ ما تأثيره على مسار العدوان الصهيوني على غزة؟ لندع الإجابة على هذا السؤال لحين إلقاء نظرة على الواقع الحالي للحرب في سطور:
نتنياهو ماض في تدمير قطاع غزة، ولا يمر يوم إلا ويرتكب جيشه مجازر في عدة مناطق بالقطاع. بلغ عدد الشهداء 42 ألفا، وعدد المصابين 97 ألفا، إلى جانب الآلاف من المفقودين تحت الأنقاض. جيش الاحتلال وسع دائرة التصعيد في الضفة الغربية بهدف ابتلاعها، وهو الهدف الذي كان واضحا في خطاب الرئيس الأمريكي السابق والمرشح الرئاسي الحالي دونالد ترامب، حين تحدث عن مساحة إسرائيل الصغيرة على الخريطة، وأنه لطالما فكر في كيفية توسيعها.