مما قال فضيلة الأستاذ الدكتور محمد أبو موسى
في درس شرح كتاب «دلائل الإعجاز» بالجامع الأزهر الشريف
(الأحد: غُرَّة جمادى الأولى 1446هـ = 3 من نوفمبر 2024م)
• القضيةُ التي أريدُ أن أبدأ بها الدرسَ هي أن عبد القاهر طال حديثُه وطال رَدُّه على من يقولون إن مَزِيَّة الكلام ترجع إلى ألفاظه، وهؤلاء كانوا كثيرًا، وكان منهم علماءُ كبار، وقلت لكم إن منهم أبا هلال العسكري - وقد كتب كتاب الصِّناعتين بعد أن تجاوز التسعين، وفي «الصِّناعتين» كثيرٌ جدًّا من الكلام على أن المَزِيَّة تعود إلى الألفاظ - ومنهم ومنهم، لكنَّ إلحاحَ عبد القاهر هذا، وهذا أهمُّ شيء، له قيمةٌ في تكوينك العلمي، هذه القيمة هي أنه يريد منك وأنت تقرأ الكلام العالِيَ أن تَستيقِنَ أنه ما كان عاليًا إلَّا لغزارة معناه؛ فابحث في الكلام عن معانيه، ولا تُشْغَلْ وأنت تقرأ الكلام العالِيَ بالبحث عن شيء في ألفاظه، وهذا مهمٌّ جدًّا.
• وأنت تقرأ الكلامَ لا بُدَّ أن يكون كلُّ ما فيك؛ من عقل، ووَعْي، وفطنة، وبصيرة، مُركَّزًا ومُوجَّهًا إلى ما في الكلام مِن مَعانٍ؛ لأن الكلامَ لا يَفْضُلُ بعضُه بعضًا إلَّا مِن جهة معناه.
• الذي تَميَّز به القرآنُ هو فَيْضُ معاني ألفاظه؛ القرآنُ يَستعملُ ألفاظَ العرب بمعانيها التي وَضَعَها لها العرب، ولكنَّ كلماتِ القرآن تَفِيضُ بالمعاني فَيْضًا لا يُعدُّ ولا يُحدُّ، وهذه عبارةُ العلماء.
• فَضْلُ امرئ القيس على غيره بغزارة معناه، وفَضْلُ كلِّ شاعرٍ على شاعر بغزارة معناه؛ لأن غزارة المعنى هي التي دعتني إلى أن أتكلَّم، فأسكنتُ في كلامي المعانِيَ التي تتناسبُ مع ما جال في نفسي.
• أنت تتكلَّم وأنا أتكلَّم، وأنت تَصِفُ وأنا أَصِف، وأنت تَرْضَى وأنا أرضى، وأنت تَغضب وأنا أغضب، إنَّما الذي جال في قلبي؛ من الوصف أو من الرِّضا أو من الغضب، حَجْمُه وسخاؤه وسَدادُه هو الذي يَتميَّز به كلامي عن كلامك؛ فكأن القضية في النهاية لا تَرجع لا إلى الألفاظ ولا إلى غير الألفاظ، وإنما تَرجع إلى الجِذْر الذي هو جَوَلانُ المعاني في القلوب.
• فَضْلُ قائلٍ على قائلٍ لا طريقَ له ولا وَجْهَ له إلَّا غزارةُ ما جَالَ في قلبه.
• لن أُميِّزَ بين كلامِ زيدٍ وكلامِ عمرو إلَّا بغزارة المعاني؛ لأن غزارةَ معاني زيدٍ هي ذاتُ زيد، وغزارةَ معاني عمرو هي ذاتُ عمرو، وفَضْلُ عمرو على زيد أو زيد على عمرو هو بسخاء هذه المعاني وسدادِ هذه المعاني، وهذا شيءٌ في غاية الأهمية.
• جُذور المعرفة مهمَّة جدًّا؛ أنْ تَصِلَ في بحثك إلى جِذْر الحقيقة العلمية شيءٌ في غاية الأهمية، وإن لم تَصِلْ إليه فأنت لا تزال بعيدًا عن سواء السَّبيل.
• اهتمَّ برأسِك؛ لأن فيه طاقةً لو عُنِيتَ بها أَغْنَتْكَ عن الكُتُب وأَغْنَتْكَ عن سَماع العلماء.
• تعليقًا على قول الإمام عبد القاهر: «ثمَّ إنه لو كان أكثرُ ألفاظ القرآن غريبًا لكان مُحالًا أنْ يَدخُلَ ذلك في الإعجاز، وأن يَصِحَّ التَّحدِّي به...»، قال شيخُنا: التحدِّي بالغريب ليس في حاجةٍ إلى عالِمٍ يُبيِّن فسادَه، ولا إلى كِتابٍ يُبيِّن فسادَه، وإنَّما في حاجةٍ فقط إلى فطرتِك التي فَطَرَ اللهُ الناسَ عليها؛ فالعقلُ الحيُّ ليس في حاجةٍ إلى عالِمٍ ليَتبيَّن له فسادُ هذا؛ لأن العقلَ الحيَّ يقول إن المُتحدَّى إذا تُحُدِّيَ بالغريب وكان من أهل العلم بالغريب فسيُبْطِلُ التحدِّي، ويأتي بلفظةٍ غريبةٍ في مقابل لفظةٍ غريبة.
• يا ليتنا نُعلِّمُ طُلَّابنا الرجوعَ إلى فطرتهم وإلى عقولهم، وإيقاظَ هذه العقول؛ لأن العقلَ إذا تَيقَّظَ أَغْناكَ عن كثيرٍ من الأشياء، نعم تحتاج إلى العالِم في العويص، تحتاج إلى الكِتاب في العويص، وأكثرُ العلمِ ليس عويصًا، وإنما أكثرُ العلمِ قريبٌ جدًّا من الفِطْرة؛ فحَاوِلْ أن تكونَ فطرتُك هي النُّور الذي يُضيءُ لك الطريق.
• إذا عَرَضَ العقلُ الحيُّ الفكرَ الحيَّ بَانتِ القضايا، ولم نَعُدْ بحاجةٍ إلى عالِمٍ أو كتاب؛ لأنَّ ظهورَ الحقيقة الفكرية يُغْنِيكَ عمَّن يُعلِّمُك هذه الحقيقة.
• تعليقًا على الإفادة مِن طريقةِ الإمام عبد القاهر في عرض المسائل العلمية، قال شيخُنا: أتعلَّم وأنا مُعلِّمٌ كيف كان غيري يُعلِّم.
• التخلُّفُ يا خَلْقَ الله ليس منَّا ولسنا منه، حين دَخَلْنا منطقة التخلَّف دخلنا منطقةً خاطئة، نحن في التخلُّف غُرباء، كالغَريبِ الذي دَخل دارًا غيرَ دارِه.
• حقائقُ المعرفة عندنا تَصنعُ إنسانًا أفضلَ وأروعَ وأجلَّ.
• لا بُدَّ أن تقرأَ المقروءَ، أيْ: تُعِيدُ قراءةَ ما قرأتَ لتَفهمَ شيئًا آخر.
• لو ركَّزْتَ وأنت تقرأ اللُّغةَ كما كان يُركِّز أبو الفتح لوقعتَ على مثل ما وقعَ عليه أبو الفتح.