• بلاغةُ القرآن المُعجِزةُ هي بلاغةُ الإنسان، ولذلك قال العلماء إن الذي يُحْسِنُ البلاغةَ في لُغةٍ ثم يتعلَّم لُغةً أخرى تراه يُحْسِنُ البلاغةَ فيها، وضربوا المَثلَ بـ«عبد الحميد الكاتب»؛ قالوا إنه كان بليغًا في لسان الفُرْس، فلمَّا تعلَّم العربيةَ كان بليغًا في لسان العرب.
• البلاغةُ رُوحٌ إنسانيةٌ ليستْ خاصَّةً بأُمَّةٍ من الأُمم، والقرآنُ المُعجِزُ ببلاغته للناس كافَّةً، فأحسستُ أن هناك تقاربًا شديدًا جدًّا بين المسألتين: بيْن أن البلاغةَ رُوحٌ إنسانية وأن كِتابَ النَّاس كافَّةً - الذي هو القرآنُ - مُعجِزٌ ببلاغته.
• القرآنُ مُعجِزٌ ببلاغتِه، ليس مُعجِزًا بنَحْوِه؛ لأن النَّحوَ ليس علمًا إنسانيًّا، هو علمٌ خاصٌّ بلُغةٍ مُعيَّنة، وهذه أشياءُ كلُّها مُحتاجةٌ إلى مراجعة، ومُحتاجةٌ إلى وَعْي، ومُحتاجةٌ إلى تفكير.
• قلتُ إن عبد القاهر ألحَّ كثيرًا على نَزْعِ فكرةِ أنَّ مزيَّةَ الكلام ترجع إلى ألفاظه؛ لأنها تَجذَّرتْ في عقولٍ كبيرةٍ وعقولٍ صغيرة.
• ليس هناك كتابٌ ضعيفٌ وكتابٌ قويٌّ؛ لأن المطلوبَ منك أن تَستخرِجَ قوَّةً من الضَّعيف، وأن تَستخرِجَ ما يُفيد ممَّا لا يُفيد، وإلا فالزم بيتَك واطلبْ عملًا آخر.
• عامِلُ النَّظافة المُتقِنُ لعمل النَّظافة أفضلُ من أستاذ الجامعة غيرِ المُتقِنِ لعمل أستاذ الجامعة؛ قيمةُ كلِّ امرئٍ ما يُحْسِنُه.
• كلمةُ سيِّدنا عليٍّ (رضي الله عنه): «قيمةُ كلِّ امرئٍ ما يُحْسِنُه» كلمةٌ تَصنَعُ حضارة، ليستْ قيمةُ كلِّ امرئٍ ما يَعمَلُه، أَحْسِنْ نظافةَ الطريق تَكنْ أفضلَ مِن كبيرٍ لا يُحْسِنُ عملَه، فكأن سيِّدنا عَليًّا يقول: «هذه الأمَّةُ أمَّةُ الإحسان»، والله قريبٌ من المحسنين، والله يُحِبُّ المحسنين؛ فأين الإحسان!
• قولُ سيِّدنا رسول الله (صلَّى الله عليه وسلَّم): «وجُعِلَتْ لي الأرضُ مسجدًا» ليس مرادًا به أنْ أُصلِّي عليها فقط، وإنَّما هي عبادة، أنا عابدٌ ما دُمْتُ ذاكرًا لله وأنا أَصنَع، وأنا أَزْرَع، وأنا أُدرِّس، وأنا أُتاجِر. أتحرَّك على الأرضِ وأنا ذاكرٌ لله فقد صارتْ لي الأرضُ مسجدًا؛ فهي مسجدٌ للصَّانِع المُتقِن المُتَّجِه إلى الله، هي مسجدٌ للزَّارع المُتقِن المُتَّجِه إلى الله.. هذا هو الفَهْم.
• أعجبني توفيق الحكيم حين قال - وقُلتُه لكم قبلَ ذلك - : «إن العقلَ الذي يُحوِّل الفكرةَ القديمةَ إلى فكرةٍ جديدةٍ أفضلُ من العقل الذي يأتي بجديد»؛ لأن إحياء القديم أدلُّ على فَرْط النُّبوغ من المجيء بالجديد، لا تَقُلْ: «هذه أفكارٌ قديمة»، نعم هي أفكارٌ قديمة، ولكنْ عليك أن تَجعلَها أفكارًا جديدة، فإذا لم تَجعلْها جديدةً فلا تَدخُل الميدانَ إلا وأنت مِن رِجالِه.
• إلحاحُ عبد القاهر على نَزْع فكرةِ رُجوع المزيَّة إلى الألفاظ أتعلَّم منه أكثرَ ممَّا أتعلَّم مِن مسائل العلم: مَوقِفُ العالِم مِن الخطأ، وإصرارُه على نَزْع الخطأ، وإصرارُه على زَرْع الصَّواب في النَّفْس الإنسانية، يَرُوقُني جدًّا، ويُربِّيني، ويُنشِّئني أفضلَ من أن أَدْرُسَ قواعدَ العلم فحَسْب؛ قواعدُ العلم مُهمَّةٌ جدًّا، ولكنْ بشرطِ أن يكون وراءها رُوحٌ تَحرِص على غَرْسِ الصَّواب ونَزْع الخطأ.
• تَعلَّمْنا المُسالَمةَ مع أشياءَ لا تَجوزُ فيها المُسالَمة؛ تَسالَمْنا مع الفساد، وتَسالَمْنا مع الجهل، وتَسالَمْنا مع الفشل؛ فعبدُ القاهر بصنيعِه يُنادي فيك، مُؤذِّنٌ يؤذِّن؛ يقول لك: لا تتصالحْ مع الفساد، وإنَّما عليك أن تَقِفَ مع الفساد حتى تَقتلِعَه من نُفوس قومِك.
• عبد القاهر يُعلِّمك: لا تَهدِمِ الخطأَ مِن غير أن تَعرِفَ مِن أين جاء الخطأ، لا تَهدِمِ الباطلَ مِن غير أن تَعرِفَ متى وُلِدَ هذا الباطلُ ومِن أيِّ فكرةٍ وُلِدَ هذا الباطل.
• تعليقًا على قول الإمام عبد القاهر: «لم يَستطيعوا أنْ يَنطِقوا في تصحيح هذا الذي ظنُّوه بحَرف»، قال شيخُنا: عبد القاهر يَدلُّك على طبقةٍ من الناس يعتقدون اعتقادًا راسخًا في شيء، ثم لا يَجِدون عندهم كلمةً واحدةً للدِّفاع عنه، يا سلام! يا سلام على تعرية أهل الباطل! يا سلام على قُدرة أهل الحقِّ على بيان تعرية أهل الباطل.
• حين أقرأ كلامًا لعالِمٍ آخُذُه، لكني أجد نفسي راغبةً في معرفة الذي دار في نَفْسِ العالِم حتى أنطقَه به، وبهذا لا تكون فقط دخلتَ في فِكر العالِم، وإنَّما في قلب العالِم وعقلِه، ويا بُعْدَ ما بين مَن يَدخُل في فِكْر العالِم ومَن يَدخُل في قَلبِ العالِم وعقلِه.
• القاضي عبد الجبَّار - رضيتَ أو لم تَرْضَ - عَلَمٌ من أعلام الأمَّة، ومِن كبار علمائنا، لا شكَّ في هذا، وكونُه رأسَ المعتزلة هذه قضيةٌ أخرى ليس لها أيُّ قيمة، صار لها قيمةٌ عندنا لمَّا ضَعُفَتْ عقولُنا عن استيعاب الخلاف.