(التنويه بــ "برنامج الخِزانة" للشيخ البَطَاطي)
مِن بلاء طالب العلم في زماننا هذا كثرةُ ما يُشتِّته ويَعُوقه عن طريقه وقصده، وأعظمُ ذلك هذه الثورة المعلوماتية الشبكية التي تضُخ يوميا مئاتِ الكتب والبرامج والمواد المختلفة المتنوعة. فمن طلبة العلم من يتقلب بينها ويَنفرط أمره، ومنهم من يهجرها ويُعرض عنها بالكلية ملتمسا مادة العلم من الكتب والشيوخ والحِلق.
والأمر الرشيد في ذلك: أن يُحْكم طالب العلم أمره، ويُحسن سياسة نفسه، ويأخذ من هذا السيل المتدفق ما ينفعه ويقوِّيه ويرقِّيه في سيره.
وهذا أمر طرقه الناس وأوسعوه حديثا، وليس من غرضي هنا الإفاضة أو تشقيق الكلام فيه، وإنما أتوسل به للحديث عمَّا أنا بصدده.
من البرامج التي حرَصت على متابعتها والاستفادة منها: (برنامج الخِزانة) الذي يقدمه الشيخ الكُتْبيُّ الفاضل عبد الله بن سالم البَطَاطي. والشيخ وبرنامجه معروفان لطلبة العلم وعاشقي الكتب.
أذكر أول حلقة حضرتها بعد مرور مدة يسيرة على بَدء البرنامج، قلت في نفسي: هذا البرنامج لا بد متابعته، وترتيب وقت له، وتقييد ما يُنثر فيه.
يظن كثيرون ممن لا يتابعونه أن صاحبه يعرض فيه طبعات الكتب الجديدة ومضامينَها لا يَلْوي بعد ذلك على شيء.
ومن مقصودي هنا: بيان خطأِ ذلك وقصورِه في الإبانة عن ثمراته وفوائده، وإن كنت لا أجادل في أن هذا هو الأساس الذي قام عليه البرنامج وانطلق لأجله.
برنامج الخزانة اليوم يعد أهمَّ برنامج علمي ثقافي على الشبكة يعتني بشأن الكتب والطبعات ودور النشر وما يتصل بذلك.
وأول فوائده ما سبقت الإشارة إليه مِن عرض جديد الكتب ومضامينها، وهذا أمر مهم لطالب العلم، سيما من كان بعيدا عن دُور العلم والكتب فإنه يحتاج إلى معرفة ما صَدَر وكُتب. وقد يكون الطالب بحاجة ماسة إلى كتاب في باب من أبواب العلم أو مسألة من مسائله ولا يعرفه إلا من هذه السبيل، فيتوفَّر عليه بذلك جهد ووقت كثير.
ومعرفة مضامين الكتب تفتح لك الباب لمعرفة ما تحتاجه منها مما لا تحتاجه، فالعناوين كثيرا ما تخدع وتَغُر، فإذا عرفت ما وراءها وَضَح لك الطريق.
ومن فوائده: الحديث عن طبعات الكتب، وجيدها ورديئها، وما لها وما عليها. وهذا باب من أبواب المعرفة اليوم لا يستغني عنه من له اتصال بالكتاب، والمقصر فيه تقع له أخطاء في الفهم والعزو والنقل لكثرة ما يَعْرض له من تصحيف وتحريف في الكتب الرديئة والطبعات الشائهة التالفة. وما زال الأَماثل من أهل العلم جيلا بعد جيل يتطلبون جيد النسخ والطبعات ويحرصون على ذلك أشدَّ الحرص.
ومن فوائده: إشرافه وإطلالته على أبرز دور النشر المعاصرة، والحديث عن منشوراتها وما تتميز به في أبواب العلم والمعرفة، ويتبع ذلك أيضا التنويه بأهم المراكز والمعاهد والمؤسسات العلمية والتعريف بمنشوراتها وبرامجها.
ومن فوائده: ما يتخلله من الوصايا والفوائد في العلم والطلب والقراءة والكتب؛ وذلك أن حلقاته إحداها تُفتتح بسؤال من المتابعين عن أفضل طبعة لكتاب كذا، أو أفضل كتاب في كذا، ونحو ذلك مما لا يخلو من فائدة للسائل وغيره. والأخرى يكون السؤال فيها من إدارة البرنامج حول مسألة لها اتصال بمقاصده، ويجيب المتابعون عبر المنافذ الإلكترونية المتاحة ويعقِّب الشيخ ويستدرك ويوجه ويأتي بالمفيد النافع.
ومن فوائده: التنويه بالكتب والرسائل والأبحاث المتميزة في بابها، وبيان وجوه تميزها عن غيرها، فيحرص الطالب على اقتناء ما يحتاج إليه منها ممَّا لم تكن له به معرفة سابقة.
ومن فوائده: الإشارة إلى الكتب التي تصلح للقراءة في المواسم والمناسبات، والكتب التي تُقرأ في البيوت والمساجد وتصلح لعامة الناس، فيستفيد من ذلك من يتصدى لتدريس الناس وتعليمهم، وينتقي ما يناسبهم وينفعهم.
ومن فوائده: التنبيه على ما تشتمل عليه بعض الكتب من أخطاء في الاعتقاد أو المنهج أو السلوك، وكثير من ذلك يخفى على طلبة العلم فضلا عن غيرهم، فبيان ذلك من النصيحة لله ورسوله وعباده المؤمنين.
ومن فوائده: إتحاف طلبة العلم والدارسين بجملة صالحة من العناوين التي تصلح للكتابة والبحث والدرس. وهذه معضلة كثير من طلبة الدراسات العليا، فإذا جاءه عنوان من خبير خِرِّيت ماهر فالغالب أنه ينتفع به.
ومن فوائده: ما يتضمنه من مداخلات العلماء والمؤلفين والمحققين وأصحاب دور النشر. وكثير منهم لم يُعْرف ويتكلم إلا من خلال البرنامج، وهذه منقبة عظيمة له. وفي بعض هذه المداخلات من النفائس والنصائح والدرر والتجارِب ما يعِزُّ في غيرها.
ومن فوائده: الإبانة عن حال كثير من المصنفين والمحققين، هذا يتميز في بابِ كذا وذاك في علمِ كذا، وهذا مكثر وذاك مقل، وهذا يجوِّد كتبه وذاك لا يجوِّدها، ونحو ذلك مما لا تخفى فائدته ونفعه.