كلمت بالأمس بعض قرابتي، ممن لا يعرف عنه الالتزام، وكان -على الرغم من قيام بيته وعدم سقوطه- يشتكي من كثير من الأشياء...
وذكر لي حال أهل الخارج، وزعم أنهم في جنة، ثم قصَّ عليَّ أمورا عشتها بنفسي، ورأيتها بأم عيني، لكنها بلسانه مختلفة...
والله -أيها المعذبون- ما يخفف عنكم آلامكم إلا قوة إيمانكم، وإن الرجل ليقع عليه البلاء فيسخط؛ لأعذره لشدة ما يجد، لكنني أشفق عليه...
مذ طاف طوفاننا، وعمَّ شراره واصطلى بناره كل قطاعنا، ورسائل التصبير والتثبيت والتذكير بالجنة تصلنا، فيؤمن بها البعض، ويقتنع بصحتها -نظريا- آخرون، وكثير من الناس يئسوا...
وما أزدري خطاب شيخ، ولا أقلل من شأن داعية، إلا إذا رأيته يقف في زاوية مسجده، يصبّر مواليه، والدروايش حوله، ويترك من نزل بهم البلاء دون تذكير، أو محاولة غرسٍ للمعاني...
وإن شجرة من الإيمان، تغرس بذورها قبيل البلاء، لأشد تحملا لأعاصير المأساة والمذابح المروعة...
وإن شيخا لا يطلع على الناس إلا وقت خطبة الجمعة، فيكلمهم عن الصبر، وقد ملأ الدنيا من قبل صراخا... لعمامة ساقطة، وإن لفها حول رأسه، وتفاخر بها أمام أتباعه!
ووالله أيها الناس، قد كنت أعد من شيوخي زيدا وعمرا، حتى سقطت صورتهم، وانكشف عنهم الغطاء، وتركوا ثغورهم، واعتزلوا بحجة التفرغ.. تبا وسحقا، أيراد العلم منك إلا لهذا؟!
ومنهم من عاهد الله فصدق، وحمل راية العمل ففتح الله عليه، وتفقد الأرملة والجريح، والعجوز والشاب الصحيح، حتى إذا أرادوا شكره، وغرفوا من ماء كرامتهم ليريقوه... حمد الشيخ ربه، وذكرهم أنهم مسلمون، وأن الله أعطاهم، وأنه العبد الخادم لعبيد سيده...
فخرج وأعين القوم تنظر السماء، وابن تلك الخيمة، رجع يصلي العصر في جماعة...
أيها الشيوخ العاملون، والطلبة المصلحون، والشباب الباذل... الآن الآن، استعينوا بالله، واعقدوا العزم، فسدوا الثغور، ولا تبرحوها!
{وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ}