لقد ذكره المشايخ والخطباء وطلبة العلم والإعلاميون والمجـ.ـاهـ.ـدون والأصدقاء والأعداء، وانتشر ذكره في الناس وفي وسائل الإعلام على اختلافها وكثرتها بشكلٍ مبهرٍ حقًّا، وكلماتي لا توازي الحالة التي صار عليها يومئذٍ في الناس.
لقد بدأ الناس في السؤال عن هذا القائد العابد الزاهد المجـ.ـاهـ.ـد الخفي، بدؤوا يستذكرون مواقفه، ويفتشون عن مناقبه وأخباره.
لقد دخل الشهرة من أوسع أبوابها بعد أن اجتهد هو في غلق الأبواب كلها، لكنها كانت أشبه بالسيل الذي يجتمع ويتراكم حتى يُضخَّ دفعةً واحدة.
إن قصته ترجمةٌ حرفية لكلمة قالها الفضيل بن عياض رحمه الله نصُّها: "من أحب أن يذكر لم يذكر، ومن كره أن يذكر ذُكِر".
وما آتاه الله إياه مثالٌ حيٌّ لما كتبته في كتاب: "سراج الغرباء في منازل السعداء.. سياحةٌ ماتعةٌ في روائع فقه السنن" تحت عنوان: "كل سر تخفيه فالله مبديه" فقد قلت في مقدمة هذه السُّنَّة الإلهية:
إذا أراد العبدُ صدارة وظهورًا، وسعى في الناس لأن يكون مشهورًا.. فإنه يبقى خفيًا مغمورًا، أما من اجتهد في إخفاء حسناته، واتخذ كل وسيلة لئلا يراه أَحَد.. فإن الناس ستعلم أمره وكَأَنَّهُ فعله على جبل أُحُد، أو صدح به في المنابر، حتى علا في المآذن والمنائر.
رحم الله أخي نـ.ـورًا، وتقبله الله، وجعله للمتقين إمامًا.
كتب الشيخ محمد الأسطل مقالا عنه يستحق أن يقرأ مرارا...
...................
المغمور المشهور
من أيام ويقفز إلى ذهني أخي الشيخ نـ.ـور بـ.ـركـ.ـة عليه رحمة الله. وكنت قد كتبت منشورًا عقب استشـ.ـهـ.ـاده إلا أنه حُذِف من إدارة الفيس من زمنٍ بعيد.
ومن خصاله التي بدأت تضغط على ذهني المرة تلو المرة حاله مع الشهرة، وكيف أنه يُحرمُ منها من يطلبها وكيف يعطاها من يفر منها!
إن الشيخ نـ.ـورًا كان بعيدًا عن الأعين، لا يكاد يعرفه إلا من عامله، وأحسب أن قطاعًا كبيرًا من شباب مدينة خان يونس لا يعرفونه إلا أهل المنطقة الشرقية التي يسكنها.
في أحد التصعيدات العسكـ.ـريـ.ـة التقيته في مكتبةٍ لبيع الكتب، فقلت له: كيف تتحرك في هذا الوقت؟! قال: العيون الآن بعيدةٌ مشغولة، فاستثمرت الفرصة لأطَّلعَ على ما وصل من جديد الكتب.
والتقيته مرةً بالجامعة الإسلامية فجلسنا معًا وعلى إثر مكالمةٍ أخبرني يومها أنه بصدد انتهائه من ختمة السند المتصل بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم. وحين علمت أنه يأتي من مدينة خان يونس إلى مدينة غزة لتلقي السند سألته متعجبًا: كيف فعلت هذا وموقعك العسكـ.ـري يعيق؛ بل ويجعل إخوانك القادة يفتقدونك؟ قال: أفعل ذلك في صمتٍ، ولا يكاد يُشعر بي.
وحدثني أحد المقربين من الشيخ أنه ناقش رسالة الماجستير -وكانت في الفقه المقارن بعنوان: "الإهمال في العمل الجهـ.ـادي"- في خفاءٍ تام، حتى إنَّه لم يحضرها أحدٌ من أقاربه ومعارفه إلا أخت الشيخ، وهي ضمن كادر التدريس بالجامعة الإسلامية.
قال لي الأخ وفقه الله: وقد توارد إلى سمع الإخوة الذين يعمل معهم في العمل الجهـ.ـادي خبر المناقشة من خلال أخٍ التقط المعلومة من المشرف على الرسالة شخصيًّا أو من أحد المناقشين لها.
وحين أرادوا زيارته حصل ترددٌ هل يسعد بذلك ويرضى أو لا؛ وذلك لما ظهر منه من حرصٍ تامٍّ على إخفاء الأمر، فاستقر الرأي أن نهاتفه ونطلب الزيارة فكلمناه واعتذر بأنه خارج البيت ولم تحصل الزيارة.
ومما سمعته من هذا الأخ أيضًا أن طابع الخفاء كان سمتًا عامًّا للشيخ نور رحمه الله، حتى فيما يعرض له من أمر الدنيا؛ فلو مرض أو خضع لعمليةٍ جراحيةٍ فمن الصعب أن يعلم به أحد، ولو كان الأمر يتعلق بفقرٍ لا يجد معه النفقة التي يريد فإنه يكتم حاجته ولو تعنى ما تعنى.
علمًا بأن الشيخ كان يصوم يومًا ويفطر يومًا، وكان متقللًا من الدنيا، وأخباره في ذلك كثيرة ليس المقام لها؛ وإنما لجانب فراره من الشهرة.
ومن المستظرف أنه رحمه الله فاجأهم يومًا بحلوياتٍ يوزعها عليهم، قال الأخ: فسألته عن سبب ذلك فلم يجب وكأنه لم يسمع! قال: فعلمت أنه لا يريد أن يتكلم، وبعد شهور علمنا أنه يوم أن وزَّع الحلويات كان قد انتهى من ختمة السند، لكنه حمد الله لذلك وأظهر الابتهاج دون أن يُخبر أقرب الناس إليه بذلك.
أما أمر العبادات فالناس إزاءه أمام حقيقتين: أنه صاحبُ تعبدٍ ومكثرٌ من ذلك، وأنهم لا يعلمون أي شيء عن ذلك، لكن كان حاله دالًّا على سريرته.
ومع علاقتي القوية بالشيخ لم أكن أعلم أنه قد انتهى من القراءات العشر، ولم أكن أعلم كذلك أنه كان يُدَرِّس كتاب: (كفاية الأخيار) في الفقه الشافعي للإمام الحصني في مجموعةٍ من طلبة العلم أحسبهم يقتربون من خمسة عشر، وكان قد أشرف على الانتهاء من تدريسه، واستشـ.ـهـ.ـد رحمه الله ولم يبق إلا درسٌ واحدٌ يختمون فيه الكتاب.
وتواصل معي بعض الشباب يطلبون كلمة لهؤلاء الذين التزموا مع الشيخ في هذا المجلس الفقهي، وبالفعل التقيت بهم وألقيت فيهم كلمة.
وشاء الله تعالى أن يكون استشـ.ـهـ.ـاده على يد القوة الصهيونيـ.ـة الخاصة قريبًا من المسجد الذي كان يصلي فيه ويتهجد، ليكون ارتيابه منها وتحقيقه معها رزقًا عظيمًا قد اختصَّه الله به، لينقذ البلد من اختراقٍ أمنيٍّ خطيرٍ يتلخص في دس قوات العدو أجهزة تجسس داخل شبكة الاتصالات الخاصة بالمقاومـ.ـة.
ويكاد يُجمع المجـ.ـاهـ.ـدون أنَّ اكتشافه للقوة الصهيـ.ـونيـ.ـة وارتيابه منها راجعٌ للبصيرة التي آتاه الله إليها، ثم لليقظة الأمنية التي كان يتمتع بها.
وبهذا الخاتمة انتقل الشيخ نـ.ـور من الخفاء التام إلى الظهور التام.
لقد تدخل الطيران، وتحولت منطقة عَبَسَان لساحة حرب، وقام لأجله تصعيـ.ـدٌ عسـ.ـكـ.ـري، واستقال وزير الدفاع الصهيـ.ـونـ.ـي ليبرمان، وسقطت حكومة العدو، وبدأت رحلة الضعف في الكيان حتى ما استطاعوا تشكيل حكومة إلا بعد عدة جولات.
لقد انتشر اسم هذا الشاب الخفي ابن السبعة والثلاثين عامًا في الآفاق، وسارت المسيرات باسمه، وانتشرت صوره على اللوحات في مفترقات الطرق، وتزينت بها حسابات الفيس، وكثر من يتبرع عنه ببئر مياه أو بعمل عمرة وما أشبه ذلك.
بعد أن كشفت تقارير العدو وتحليلاته أن القائد المجاهد الشهيد يحيى السنوار أبو ابراهيم كان لم يتناول الطعام لمدة ٣ أيام قبل ارتقائه خطر على بالي حادثة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مع ابنته فاطمة الزهراء عندما جاءته بكسرة خبز فأعطته إياها وقالت:
شيءٌ خبزتُه ولم تطِب نفسي أن آكله حتى آتيك به.
فسمّى الله وأكلها وقال:
هذا أول طعام يدخل جوف أبيك منذ ثلاثة أيام.
وعلى الرغم من أن هذه الرواية فيها ضعف إلّا أنه قد ثبت في العديد من المواقف الأخرى أن النبي صلوات الله وسلامه عليه قد جاع مرات عديدة وقد تمت مطاردته وأخوانه الأنبياء الٱخرون كلهم تعرضوا للمطاردة والسجن والجوع والقتل ولطالما كان هذا دأب الصالحين منذ أن خلق الله الأرض ومن عليها؛ في رسالة واضحة من رب السماوات للناس أجمعين مفادها: لو أن هذه الدنيا تسوى عنده شيء لأعطاها إياهم دون سائر الخلق، ولكن حقيقتها أنها وهم وسراب والعاقل من تزوّد لٱخرته ورمى هذه الدنيا بعصا السنوار
اللهم ارحم عبدك يحيى السنوار واجمعه بصحبة أنبيائك الأخيار وحبيبك محمد شفيعنا من النار يا قوي يا جبّار.
اللهم اجعل محمود من المقرّبين في جنات النعيم، في سدر مخضود، وطلح منضود، وظلّ ممدود وماء مسكوب، وفاكهة كثيرة، لا مقطوعة ولا ممنوعة، وفُرشٍ مرفوعة. اللهم لا نزكّي عليك أحدًا، لكنّا نشهدك أنه آمن وعمل صالحًا وصبر وألخص، اللهم اجزه عن الإحسان إحسانًا وعن الإساءة عفوًا وغفرانًا.
اللهمّ اروِ قبر محمود وقبور الشهداء، اللهمّ وسّع عليه، وأكرم نزله، اللهم شفّع فيه نبيك ومصطفاك صلّى الله عليه وسلّم، واحشره تحت لوائه، واسقه من يده الشريفة شربة هنيئة لا يظمأ بعدها أبدًا.
أخوتنا في شرق دير البلح يجمعون التبرعات لبناء بئر لتوفير المياه بالمنطقة. من يحب المساعدة فبارك الله فيه، أو انشروها على نطاق واسع لعل الله يجري على يدكم الخير.
الحالة ثقة تمامًا، والفاتورة والمعدات المطلوبة موجودة لمن يريد التأكد.
اللهمَّ اجعلْ في قلبه نورًا، وفي لسانه نورًا، وفي بصره نورًا، وفي سمعه نورًا، وعنْ يمينه نورًا، وعن يساره نورًا، ومن فوقه نورًا، ومنْ تحته نورًا، ومنْ أمامه نورًا، ومنْ خلفه نورًا، واجعلْ له في نفسه نورًا، وأَعْظِمْ له نورًا.
رأيتُ في منامي أحدهم يهاتفني ويقول:"هناك أسرة تحمل اسم ....، نازحة وتُقيم في إحدى أزقة وسط قطاع غزة، عددهم أقل من 10 أشخاص، اذهبي إليهم قبل أذان المغرب وخذي معك طرداً غذائيا"، وخلال حديثه معي كنت أمشي في أزقة أعرفها في الحقيقة، وكأنني أُساق إليهم بعلامات واضحة بيّنة، وقد وقع في نفسي اسم الزيتون.. انتهى المنام..
استيقظتُ صباحاً وذهبتُ لذات المكان الذي رأيتُه في المنام، وسألتُ هناك عن مواصفات هذه العائلة ليدُلني أحدهم عليهم بنفس المعلومات التي قيلت لي في الرؤية وبدون أي نقصان، كما أنهم يسكنون في دكان صغير.. سردتُ المنام على من هاتفني في الرؤية، وقد كان من إحدى البلاد، فإذا به يعزم على تنفيذ ما جاء في المنام..
كنتُ أعلم يقيناً أن شراء مواد غذائية أمر مستحيل، فلا يوجد أي شيء في الاسواق، لكنني جربتُ الذهاب علّي أجد ما يسدّ الجوع والرمق، وما إن وصلتُ حتى رأيتُ ثلاث عربات كلٌ منها يعرض المواد الغذائية الأساسية المقطوعة أصلاً، وبذهول كبير وبدون أي تردد توجهتُ نحوها واشتريتُ كل شيء، وعدتُ مسرعة أُسابق الوقت لأصل إليهم قبل أذان المغرب، وبالفعل وصلتُ تماماً مع أول تكبيرة للأذان..
دخلتُ الدكان الذي به العائلة، رأيت أمّاً مُقعدة قد بُترت ساقيها في أول الحرب، وحولها أبناءها، وعندما سألتهم عن والدهم أجابوني أنه بقي في الشمال وقد انقطعت أخباره عنهم .. عجبتُ لحالهم ومن يقوم على أمورهم، خاصة وأنهم لا زالوا صغاراً، فاجابتني ابنتها: "والدي في آخر مكالمة قال لنا تركتكم في ودائع الرحمن"..
أجل تركهم في ودائع الرحمن، فمن ذا الذي يضيع وهو في كنف الرحمن الرحيم وفي ودائعه؟ يقول لي أحد أبناءها: "في كل يوم يمر بائع العصير المثلج، إنه يكفل أيتاماً ليسو بأبناءه، وأمي تبقى تدفعنا لشراء العصير منه لأجل أولئك الأيتام"!
يا الله .. ليسو سوى أطفالاً وأمهم المقعدة في دكان صغير بين أزقة في مدينة مدمرة.. ساق الله لهم جنوده من بلاد حالت بيننا وبينهم الحدود والسدود، ليمشوا في قضاء حاجتهم وهم الذين لم يُظهروا حاجتهم إلا لوجهه الكريم..
بل إن أمهم كانت تقول لي: "أنا يقيني بالله كبير أنه ما رح يضيعنا أبداً".. وعندما انتهت زيارتي لهم هَمَمْتُ بالخروج، وإذ بي أسمعها تقول: "جاي ع بالي زيتون"، فتذكرتُ الرؤية وأن هذا الاسم قد ذُكِر فيها.. المفاجأة ليست هنا ..
بل إنها في عودتي للسوق لشراء الزيتون، لم أجد أي عربة من تلك العربات الثلاث، وكلما سألت أحدهم أين الذين كانوا هنا بالأمس يبيعون الأرز والزيت والسكر؟! تعجبوا من سؤالي وقالوا لي: "لا يوجد أي أحد يبيع هذه المواد، بل إنها مقطوعة تماماً"! اشتريتُ الزيتون وعُدتُ إليهم، وأنا على يقين بأن هذه الأسرة بينها وبين الله شيء عظيم..
لقد تذكرتُ سيدنا يوسف عليه السلام كيف فرّج الله عنه برؤية ..
هذا هو العوض الجميل الذي لا يضاهيه في رحبه شيء.. لأنه من الله 🤍 والله ذو الفضل العظيم