الأصل أنه لا يجوز لأحد أن يتقدم لإمامة الناس بالصلاة إلا بإذن إمام المسجد، ومن تقدّم للإمامة بدون إذنه فإنّ عمله لا يجوز، وذلك افتئاتٌ من المأمومين على مقام الإمامة بغير علم.
وقد اتفق على القول بذلك جماهير الفقهاء من الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة.
واتفقوا أن المرء لا يجوز له أن يتقدم للإمامة بالناس حتى لو كان أعلم من إمام المسجد.
دليل ذلك ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «لاَ يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ ولا يَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إِلاَّ بِإِذْنِهِ» أخرجه الإمام مسلم في "الصحيح" عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه.
فالإمام بمنزلة صاحب البيت؛ فلا يجوز لأحد أن يتقدم للصلاة بأهل بيت إلا إذا أذن له أهل البيت.
ومما ذكره الفقهاء أن التقدم بين يدي الإمام يحثل بسببه التشويش والتنفير وضعف الخشوع؛ لأن هذا التقدم من غير إذنٍ ولا سببٍ وجيه سيؤدي إلى ترك تأليف القلوب المجتمعة على الإمام، كما إنه يُبطل فائدة اختصاص الإمام بالتقدم.
✅️فعند السادة الحنفية:
قال العلامة الحصفكي الحنفي في "الدر المختار" (1/ 557، ط. دار الفكر، ومعه "حاشية ابن عابدين"): [(والأحق بالإمامة) تقديمًا بل نصبًا "مجمع الأنهر" (الأعلم بأحكام الصلاة) فقط صحة وفسادًا، بشرط اجتنابه للفواحش الظاهرة] اهـ.
وقال العلامة ابن عابدين مُحَشِّيًا عليه: [(قوله: تقديمًا) أي: على مَن حضر معه (قوله: بل نصبًا) أي: للإمام الراتب، (قوله: بأحكام الصلاة فقط) أي: وإن كان غير متبحر في بقية العلوم، وهو أولى من المتبحر، كذا في "زاد الفقير" عن "شرح الإرشاد"] اهـ.
✅️وعند السادة المالكية:
قال الشيخ عليش المالكي في "منح الجليل شرح مختصر خليل": [(ونُدِب) بضم فكسر نائب فاعله (تقديم سلطان) أي: ذي سلطنة وإمارة، سواء كان الإمام الأعظم أو نائبه للصلاة إمامًا على الحاضرين معه الصالحين للإمامة. ولو كانوا أفقه وأفضل منه، أو رب منزل أو راتب مسجد، والندب لا ينافي القضاء عند المشاحة، (ثم) إن لم يكن فيهم سلطان ندب تقديم (رب) أي: مالك (منزل) أو راتب مسجد مثلًا، وإن كان غيره أفقه وأفضل منه] اهـ.
وقال القرافي في "الذخيرة": [قال في "الكتاب": صاحب المنزل أولى ممَّن حضره، قال صاحب "الطراز": وكذلك تُمنع الإمامة في مسجد الإمام الراتب إلا بإذنه] اهـ.
وفى تبصرة الحكام لابن فرحون المالكي: "إذا كان للمسجد إمام راتب في بعض الصلاة, فلا تجوز الجماعة لغيره في تلك الصلاة, قال ابن بشير ولا خلاف في منع ذلك".
✅️وعند السادة الشافعية:
جاء في "حاشية قليوبي على شرح المحلي على المنهاج": [(والإمام الراتب.. إلخ) أي: أن الإمام الراتب يقدم على غير الوالي، ويقدم الوالي عليه إلَّا إن كان قد رتبه الإمام الأعظم، فيقدم على الوالي أيضًا. وهذا في مسجد غير مطروق بأن لا يصلي فيه في كلِّ وقت إلَّا جماعة واحدة ثم يقفل.. وإلا فالراتب كغيره".
وقال الخطيب الشربيني في "مغني المحتاج": "ويكره أن تقام جماعة في مسجد بغير إذن إمامه الراتب قبله أو بعده أو معه خوف الفتنة إلا إن كان المسجد مطروقًا، فلا يكره إقامتها فيه، وكذا لو لم يكن مطروقًا وليس له إمام راتب، أو له راتب وأذن في إقامتها، أو لم يأذن وضاق المسجد عن الجميع، ومحل الكراهة إذا لم يخف فوات أول الوقت".
وقال النووي في "شرحه على صحيح مسلم" : "وإمام المسجد أحق من غيره، وإن كان ذلك الغير أفقه وأقرأ وأورع وأفضل منه، وصاحب المكان أحق، فإن شاء تقدم وإن شاء قدم مَن يريده، وإن كان ذلك الذي يقدمه مفضولًا بالنسبة إلى باقي الحاضرين؛ لأنه سلطانه فيتصرف فيه كيف شاء".
✅️وعند السادة الحنابلة:
قال ابن قدامة الحنبلي في "المغني":"[وإمام المسجد الراتب أولى من غيره؛ لأنه في معنى صاحب البيت والسلطان].
ويرى الحنابلة أن التقدم بدون إذن الإمام مبطل للصلاة؛ فقد قال العلامة البهوتي في كتابه كشاف القناع :"(ويحرم أن يؤم في مسجد قبل إمامه الراتب إلا بإذنه)؛ لأنه بمنزلة صاحب البيت، وهو أحق بها؛ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لا يَؤُمَّنَّ الرجل الرجل في بيته إلا بإذنه»؛ ولأنه يؤدي إلى التنفير عنه وتبطل فائدة اختصاصه بالتقدم، ومع الإذن له هو نائب عنه.. (فإن فعل) أي: أمَّ في المسجد قبل إمامه الراتب بلا إذنه (لم تصح في ظاهر كلامهم) قاله في "الفروع" و"المبدع"، ومعناه في "التنقيح"، وقطع به في "المنتهى"، وقَدَّم في "الرعاية": تصح مع الكراهة].
إن من المعلوم أن كل مقر في أعمال الناس يوجد من يكون مسؤولاً عنه؛ فلا يصح عقلاً أن يتقدم أحدٌ للحديث بشأنها، لأنه ليس مُخوّلاً بذلك، ولو تحدث أحدٌ بذلك لنفر عنه الناس، والأصل أن يكون موقع الإمامة بالناس في الصلاة أولى من ذلك.
وإن افتئات أحدٍ من الناس بالإمامة يجعل الأمر كلأ سهلاً فكل أحد يريد إمامة الناس؛ يتقدم بين يدي المأمومين ويأمر بالإقامة، وهذه فوضى نعيذ بيوت الله عنها.
https://t.center/aquds