أوّلُ مَن وقع عليه الظُلمُ والقَهرُ وأُخرِجَ مِن ديارِهِ بغَيرِ حقٍّ؛ فاطِمةُ الزهراء!
:
❂ يقولُ إمامُنا الصادق صلواتُ الله عليه في قولِهِ تعالى: {
الّذين أُخرجوا مِن دِيارِهم بغيرِ حقّ} قال: (
نزلت فينا خاصّة؛ في أميرِ المؤمنين وذُريّتِهِ وما ارتُكِب مِن أمرِ فاطِمة صلواتُ اللهِ عليهم) [تأويل الآيات]
[توضيحات]
مِن الظُلاماتِ المُوجعةِ الّتي جرت على الصدّيقةِ الكبرى صلواتُ الله عليها بعد شهادةِ رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّم هو منعُ القومِ لها مِن البُكاء، والسعي لإخراجِها مِن مدينةِ أبيها سيّدِ الكائنات! فلم يكفِ القومَ انتهاكُ حُرمتِها والهُجومُ على دارِها وعصْرُها بين الحائطِ والبابِ وكسْرُ ضِلعِها وإسقاطُ جنينِها، وركلُها وإنهاكُها مِن الضربِ ووكزُها بنعْلِ السيفِ في خاصرتِها وتعذيبُها وشتْمُها وقذفُها! لم يكتفوا بكُلِّ هذا الظُلْم الفظيع بل منعوها حتّى مِن البكاءِ على أبيها رسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وآله وسلَّم،
كما يذكرُ ذلك الشيخُ المجلسي في البحار، إذ يقول: (
واجتمع شيوخُ أهلِ المدينةِ وأقبلوا إلى أميرِ المؤمنين فقالوا له: يا أبا الحسن، إنّ فاطِمةَ تبكي الّليل والنهارَ فلا أحدٌ مِنّا يتهنّا بالنومِ في الّليلِ على فُرُشِنا ولا بالنهارِ لنا قرارٌ على أشغالِنا وطَلَبِ معايشِنا، وإنّا نُخبِرك أن تسألَها إمّا أن تبكي ليلاً أو نهاراً فأقبل أميرُ المؤمنين حتّى دخل على فاطمةَ وهي لا تفيقُ مِن البكاءِ ولا ينفعُ فيها العزاء،
فلمّا رأتهُ سكنت هُنيئةً له، فقال لها سيّدُ الأوصياء: يا بنتَ رسولِ الله، إنّ شُيوخَ المدينة -أي رؤوسُ القوم وكِبارُهم وزعماؤهم-
يسألوني أن أسألكِ إمّا أن تبكين أباكِ ليلاً وإمّا نهاراً، فقالت الزهراء: يا أبا الحسن، ما أقلَّ مكثي بينهم -أي ما أقلَّ بقائي-
وما أقربَ مَغيبي مِن بين أظهُرِهم، فو اللهِ لا أسكتُ ليلاً ولا نهاراً أو ألحقَ بأبي رسولِ الله، فقال لها أميرُ المؤمنين: افعلي يا بنتَ رسولِ اللهِ ما بدا لكِ. ثمّ إنّه بنى لها بيتاً في البقيعِ نازحاً عن المدينةِ يُسمّى بيتَ الأحزان وكانت إذا أصبحت صلواتُ اللهِ عليها قدّمت الحسنَ والحُسينَ أمامَها وخرجت إلى البقيعِ باكية فلا تزالُ بين القُبورِ باكيةً، فإذا جاء الّليل أقبل أميرُ المؤمنين إليها وساقها بين يديه إلى منزلِها) [البحار: ج43]
✦ قولُ شُيوخ المدينة للأمير صلواتُ الله عليه: (
وإنّا نُخبرُك أن تسألَها إمّا أن تبكي ليلاً أو نهارا) كان هذا الطلَبُ مِنهم فقط في بادئ الأمر أمّا بعد ذلك فقد طلبوا مِن الأمير أن لا تبكي الزهراء صلواتُ الله عليها في بيتِها أبداً، يعني إخراجٌ للزهراء صلواتُ الله عليها مِن بيتِها قسراً وهذه مسألةٌ سياسيّة؛ فهُم طلبوا ذلك لأنّهم لا يُريدون أن تبقى الزهراء صلواتُ الله عليها في بيتِها تستقبِلُ نساءَ المُهاجرين والأنصار الّلاتي يأتينَ لتعزيتِها ولمُشاركتِها مُصابِها برسولِ الله لذلك طلبوا مِن أميرِ المؤمنين صلواتُ الله عليه بعد ذلك أن لا تبكي الزهراء صلواتُ الله عليها في بيتِها أصلاً وأن لا تُقيمَ أحزانَها،
والسبب: لأنّ بيتَها مُلاصِقٌ للمسجد، والقوم كانوا يتجسّسون على بيتِ الزهراء صلواتُ الله عليها فيسمعون بُكاءها وتصِلُ إليهم الأخبارُ بأنّ نساءَ المهاجرين والأنصار يزُرنَها والقوم لا يُريدون هذا الوضع: أنّ نساءَ الصحابةِ ونساءَ المُسلمين ما بين خارجاتٍ و داخلاتٍ على الزهراء صلواتُ الله عليها وهي تتحدّثُ إليهِنَّ عن ظُلامتِها وظُلامةِ سيّدِ الأوصياء لأنّها ستُؤثّرُ على النساءِ والنساءُ يُؤثِّرنَ على الرجال وقد يُسبِّبُ ذلك هياجاً في المدينةِ ويُؤدّي لانفلاتِ الأمرِ مِن أيديهم وينقلبُ الأمرُ عليهم، لذلك تذرّعوا بهذه الذريعةِ وقالوا لأميرِ المؤمنين إمّا أن تسكُتَ فاطمةُ صلواتُ الله عليها أو أنّها إذا أرادت أن تبكي فعليها أن تخرجَ مِن البيت!
✦ قولُ الزهراء صلواتُ الله عليها: (
يا أبا الحسن ما أقلَّ مَكثي بينهم وما أقرب مَغيبي مِن بين أظهُرِهم) عبارةٌ في غايةِ الوجع إنّها تنعى نفسَها هنا، فهي تعلمُ أنّها أوّلُ مَن يلحقُ برسولِ اللهِ مِن أهلِ بيتِه!
✦ النقطةُ الأخرى الّتي لابُدّ مِن بيانِها هي: أنّ الزهراء صلواتُ الله عليها قبل أن يبني لها سيّدُ الأوصياء بيتَ الأحزان كانت تخرجُ لمنطقةٍ قريبةٍ مِن البقيعِ وتجلسُ عند شجرةِ أراكٍ هناك، فكانت تستظِلُّ بهذه الشجرةِ مع الحسن والحسين وزينب صلواتُ الله عليهم وتبكي عندها تُجدّدُ أحزانَها على رسولِ الله،
ولكن الّذي حصل هو أنّ عُمرَ بن الخطّاب قام بقطْع هذه الشجرةِ نصْباً وعداءً للزهراء صلواتُ الله عليها وإغراقاً في ظُلمِها ومَنْعها مِن البُكاء على أبيها ومنعِها مِن نشرِ ظُلامتِها، وسعياً في إخراجِها مِن ديارِها بغَيرِ حقّ! كما يُشير القرآنُ لذلك في قولِهِ تعالى: {
الّذين أُخرجِوا مِن دِيارِهم بغَيرِ حقّ} كما تقدّم
●➼┅═❧═┅┅───┄
🔘 @alwilaya