الأمن: هو ثقة النفس وطمأنينتها بأن لا يصيبها جزَعٌ في المخاوف، ولا ينوءها فشلٌ عند المعاطب؛ قال الله تعالى: {أُو۟لَـٰۤئِكَ لَهُمُ ٱلۡأَمۡنُ وَهُم مُّهۡتَدُونَ}، ويسمَّى النجدةَ أيضًا، ولا يحصلُ إلا بقوَّة اليقين، والوقوفِ على سِرِّ القَدَر، والوثوقِ بحُسن كلاءةِ الله تعالى وحفظِه، وامتناعِ قدرةِ الخلقِ عليه عند حمايتِه ومنعه.
ولا تتمُّ فضيلةُ الشجاعةِ ولا تستقرُّ إلا به؛ إذِ الشَّاكُّ مضطرِبٌ، والمرتابُ غيرُ متثبِّتٍ، ومَن لم يَرتبِطْ جأشُه بعلم اليقين، ولم يَتمسَّكْ منَ الله تعالى بالحبلِ المتين.. لم يرسَخْ قدمُه في مواطنِ الشِّدَّةِ والخوفِ، ومواقعِ الرَّدى والرُّعبِ، بل يهابُ كلَّ ضعيفٍ، ويهربُ من كلِّ خسيسٍ، ويحسَبُ كلَّ صيحةٍ عليه عدوًّا هاجما، ويرى كلَّ شوكةٍ حسامًا صارما، ويكون كما قيل:
إذا رأى غيرَ شيءٍ ظنَّه رَجُلًا
ومَن تيقَّنَ قولَه تعالى: {قَدۡ جَعَلَ ٱللهُ لِكُلِّ شَیۡءࣲ قَدۡرࣰا}، وتأمَّلَ معنى قولِه: {وَكُلُّ شَیۡءٍ عِندَهُۥ بِمِقۡدَارٍ}، وتدبَّرَ قولَه: {لِكُلِّ أَجَلࣲ كِتَابࣱ}.. عَلِمَ أنَّ لعمُرِه حَدًّا محدودًا، وأَمَدًا ممدودًا، ولموتِه وقتًا معلومًا، وقدَرًا مقدورًا؛ فلا يخافُ مَن عاداه، ولا يبالي بمَن ناوأه؛ كان أقوى منه أو ساواه.
روي عن حاتَمٍ الأصمِّ أنه لقي شَقيقًا البلخيَّ رضي الله عنهما في بعض غزوات الكفار بخراسان وهو في المعركة؛ فقال له شَقيقٌ: كيف تجدُ قلبَك يا حاتَم؟ فقال: كما كان ليلةَ الزِّفافِ؛ لا أفرِّق بين الحالتين.
فقال شَقيقٌ: أمَّا أنا.. فهكذا؛ ورمى بسلاحِه، ووضع رأسَه على تُرسِه، ونام حتى سُمِعَ غطيطُه.
فهذا هو الأمنُ والطُّمأنينةُ واليقينُ وانكشافُ الغطاءِ؛ بظهورِ النورِ المبين، لا يتخلَّف عنه شيءٌ منَ الشجاعةِ إلا تبِعه، ولا نوعٌ إلا تضمَّنَه، وصاحبُه يَعتقِدُ معنى قولِه تعالى: {قُل لَّن یُصِیبَنَاۤ إِلَّا مَا كَتَبَ ٱللهُ لَنَا}؛ يتربَّصُ إحدى الحُسْنَيين، ويختارُ الحَينَ على الشَّين، {وَٱللهُ یُؤَیِّدُ بِنَصۡرِهِ مَن یَشَاۤءُ}.
العارف بالله؛ كمال الدين عبد الرزاق القاشاني(ت: ٧٣٦هـ) رضي الله عنه.