من حقوق المسلم على المسلم:
(5) أن يبَر قسمه إذا أقسم عليه وكان لا محذور فيه.
من حق المسلم على أخيه إذا أقسم عليه أن يوافقه ويمضي قسمه.
وفي حديث البراء: "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع ونهانا عن سبع: أمرنا بعيادة المريض، واتباع الجنازة، وتشميت العاطس، وإبرار القسم أو المقسم..".
وفي حديث أبي أمامة: "ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله خيرًا له من زوجة صالحة إن أمرها أطاعته، وإن نظر إليها سرته، وإن أقسم عليها أبرته، وإن غاب عنها نصحته في نفسها وماله".
ولا ريب أن ذلك من تطييب خاطره واحترام شخصه وتقدير قوله.
وفي الحديث أن ابنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلت إليه، ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة وسعد وأبيّ، أن ابني قد احتضر فاشهدنا، فأرسل يقرأ السلام ويقول: إن لله ما أخذ وما أعطى وكل شيء عنده مسمى، فلتصبر وتحتسب، فأرسلت إليه وتقسم عليه.
قال: فقام وقمنا معه، فلما قعد رفع إليه فأقعده في حجره ونفس الصبي تقعقع، ففاضت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال سعد: ما هذا يا رسول الله؟
قال: "هذه رحمة يضعها الله في قلوب من يشاء من عباده وإنما يرحم الله من عباده الرحماء".
وبلغ من عمل النبي صلى الله عليه وسلم بهذه السنة الحسنة أن أبر قسم عمه العباس وأجابه إلى صورة ما أقسم عليه دون معناه حقيقة لتعذر المعنى الحقيقي، فقد كان رجل من المهاجرين يقال له: عبد الرحمن بن صفوان وكان له بلاء في الإسلام حسن وكان صديقًا للعباس، فلما كان فتح مكة جاء بأبيه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله بايعه على الهجرة، فأبى، وقال: "إنها لا هجرة".
فانطلق إلى العباس وهو في السقاية، فقال: يا أبا الفضل، أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي يبايعه على الهجرة فأبى.
قال: فقام العباس معه وما عليه رداء، فقال: يا رسول الله، قد عرفت ما بيني وبين فلان وأتاك بأبيه لتبايعه على الهجرة فأبيت.
فقال صلى الله عليه وسلم: "إنها لا هجرة".
فقال العباس: أقسمت عليك لتبايعنه، قال: فبسط رسول الله يده، فقال له: "هات، أبررت قسم عمي، ولا هجرة".
وبذلك عمل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فعن أبي حازم أن ابن عمر مر على رجل ومعه غنيمات له، فقال: بكم تبيع غنمك هذه؟ بكذا وكذا؟ فحلف الرجل ألا يبيعها، فانطلق ابن عمر فقضى حاجته، فمر عليه، فقال: يا أبا عبد الرحمن، خذها بالذي أعطيتني، قال: حلفت على يمين فلم أكن لأعين الشيطان عليك وأن أحنثك".
ولو أن ذلك القسم على شيء يحصل بإبراره معصية أو ضرر، هل يبره؟
الجواب: لا، فإن في ذلك معصية أو اعتداء على المقسم عليه أو غيره، والمعصية غير جائزة والاعتداء غير جائز فلا يوافق عليهما، وفي الكتاب العزيز: {ولا تعاونوا على الإثم والعدوان}.
عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رجلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقص عليه رؤيا، فطلب أبو بكر رضي الله عنه أن يعبرها، فأذن له النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال أبو بكر رضي الله عنه بعد ذلك: بأبي أنت أصبت أم أخطأت؟
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أصبت بعضًا وأخطأت بعضًا، قال: فوالله يا رسول الله لتحدثني بالذي أخطأت.
قال: لا تقسم".
وهذا الحديث دليل على أن إبرار القسم المأمور به في الأحاديث الصحيحة إنما هو إذا لم تكن في الإبرار مفسدة ولا مشقة ظاهرة، فإن كان لم يؤمر بالإبرار.
وجمهور العلماء على أن الأمر بإبرار القسم على السنية وهو سنة مؤكدة، ما لم يكن قسمه على فعل واجب فهذا يجب إبراره، أو فعل محرم فهذا يحرم إبراره: "لا طاعة في معصية الله"، وهكذا.
على أنه ينبغي ترك الإقسام خاصة في الأمور التي لا حاجة إليه فيها أو التي يعلم أنها تشق على الآخر، أو يتوقع ألا يبرها، أو توقعه في حرج وتخجله، ونحو ذلك، وفي الكتاب العزيز: {واحفظوا أيمانكم}، {ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم}.
وإذا لم يبر المقسم عليه قسم أخيه، على من يقع الإثم وتجب الكفارة؟
عن عائشة رضي الله عنها أنه أهدت إليها امرأة تمرًا في طبق، فأكلت بعضًا وبقي بعض، فقالت: أقسمت عليك إلا أكلت بقيته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أبريها، فإن الإثم على المحنث".
والمحنث هو المتسبب في الحنث فيكون الإثم عليه، ومن ثم تكون الكفارة عليه.
#حقوق_المسلم .