مما حُكي في قصة أصحاب الكهف أن إحياء الله تعالى للفتية كان كرامةً للملك الصالح حينها، حيث كانت في عصره بقايا جاهلية من عصور سبقته، فلم يكن قومه يؤمنون بأن هنالك بعثًا بعد الموت، وانقطعت السُّبُل بالملك في إقناعهم بذلك، ويئس منهم، فتضرَّع إلى الله بأن يهديهم، فكان إحياء هؤلاء الفتية لهم وبدلائل وقرائن تدل على أنهم ماتوا منذ زمن طويل دليلًا محسوسًا لهم على إمكان البعث، فآمنوا به.
وهذا المعنى كثير جدًّا في قَصَص السابقين، وفي تدبر قصصهم ما لا يُحصَى من العِبَر والعظات، فلا تيأس أبدًا مهما اشتدَّت المِحَن، ولا تستبعد أن يسخِّر الله سبحانه الأرض كلَّها لأجلك أنت، فهو سبحانه خيرُ من سُئل، وأجودُ من أعطى، ولا عليك إلا أن تسأله، وتخضع له سبحانه، وتَكِلَ أمرك إليه وحده، وتُسلم نفسك له، وترضى بما قَسَمه لك..
كان بإمكان هارون عليه السلام أن يأخذ مَن لم يعبدوا العجل ويذهب بهم إلى الطور حيث كان الأمر هناك، لكنه -فيما حُكي- خشي أن تقع الفرقة بين القوم حينما يأخذ بعضهم ويترك بعضهم، مع أنه كان سيترك من عَبَدوا العجل وأصرُّوا على ذلك، وقالوا: (لَن نَّبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّىٰ يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَىٰ)، وهي مسألة فارقة وواضحة كالشمس، قوم تركهم نبيهم يعبدون الله، فانشق بعضهم وعَبَد عجلًا، (إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ) [طه: 94].
وترى الآن من يستغل دقيق المسائل التي لا ينبغي أن يناقشها إلا أهل العلم، فتجده يناقشها بين عوام الناس بلا فهم صحيح لها أصلا، ويقيم عليها ولاء وبراء فيوقع الفرقة والتنازع! فاللهم أبْرِم لهذه الأمة أمرًا رشدًا..
نالني عتاب شديد من معالي الشيخ د.محمد بن محمد المختار الشنقطي -حفظه الله- في مسألة علمية راجعته فيها فآلمني ذلك لأنه كان أمام الطلاب فبعثت له رسالة فيها : بعض الشيوخ نلازمهم سنين عددا فلا نجد منهم إلا الزجر وقد صبرنا حتى مللنا فإلى متى نصبر على هذا؟
فرد الشيخ: 1-إذا كنت تعنيني فإني لا أزجر في الغالب إلا من أثق به من طلبتي لأني أريد أن يشتد عوده ويقوى على كل شي خاصة أمام الناس خرج إليهم وواجهه أحد بشيء فإنه لا يضعف لأنه اعتاد على ذلك. 2-قد أجد الطالب محبا لي وأخاف عليه الفتنة فاقسو عليه فيرى في هذه الصفة فيحصل في نفسه نفرة تمنعه من الغلو في محبتي. 3-قد أزجر وأنا لا أقصد الطالب الذي زجرته وإنما أقصد غيره من الطلاب الجدد فلا يسترسلون في الاستفتاء والأسئلة وإذا رأوا من هو أقدم منهم يزجر لزموا الحذر فيستقيم أمرهم بإذن الله. 4- لا أعرف أني زجرت وفي قلبي حقد أو ضغينة ولا أعرف أني زجرت بسب أو شتم رأيت علماء أجلاء نفع الله بأساليبهم ووجدنا لها أثرا بليغا في نفوسنا ومن رافقنا في الطلب فاجتهدنا في فعل ذلك بطلابنا ويعلم الله كمن طلاب تبؤوا سويداء قلوبنا بما رأينا من صبرهم وهم لا يعلمون بمقدار حبنا لهم ولم نشعرهم بذلك خوف غرورهم. 5-إذا كنت بهذه الصفة وحسب كلامك أنك مللت الصبر فإني أناشدك الله أن تقتصر على سؤالي بالارسال ولا تقف مع الطلاب لأني أخشى أن تسيء الظن وتحمل الوزر بذلك وقد يسترسل بك الشيطان فتشتكي لغيرك فتقع في غيبة أنت في غنى عن وزرها وقد يؤدي ذلك إلى فساد غيرك فالعلم لم يكن يوما بمعسول الكلام وإنما بالصبر الذي تتساءل في رسالتك إلى متى وأقول لك الى الموت فلا أعرف في هذا العلم يوما لم أتجرع فيه مرارة الصبر طالبا ومعلما وكل صبر ينسي ما قبله أسأل الله أن يرحم ضعفنا ويجبر كسرنا).
جاء عن المفسرين قولان في عَود الضمير من (كانوا) في قوله تعالى ﴿وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ﴾ [يوسف: 22]؛ الأول: أنه يعود على وُرَّاد الماء، والثاني: عودُه على إخوة يوسف، ورجَّح ابنُ عطية القولَ الثاني، فقال: "إذ حقيقة الزهد في الشيء: إخراج حُبِّه من القلب، ورفضُه من اليد، وهذه كانت حال إخوة يوسف في يوسف، وأمَّا الوُرَّاد فتمسُّكهم به وتجرهم يمانع زهدهم إلا على تجوُّز" !!
وصفه لبخل الرجل يصدع الرأس، ويفلق الكبد، ويرفع الضغط !
سأل يحيى بن خالد أبا الحارث عن طعام رجل، فقال: أما مائدته فمقبّبة، وأما صحافه فمخروطة من حب الخردل، وبين الرغيف والرغيف فترة نبي. قال: فمن يحضرها؟ قال: الكرام الكاتبون. قال: فمن يأكل معه؟ قال: الذباب.
قال له يحيى: وأرى ثوبك مخرقا، أفلا يكسوك ثوبا وأنت في صحبته؟
قال: جعلت فداك، والله لو ملك بيتا من بغداد إلى الكوفة مملوءًا إبرًا، وفي كل إبرة منها خيط، وجاءه يعقوب يسأله إبرة منها يخيط بها قميص يوسف ابنه الذي قدّ من دبر، ومعه جبريل وميكائيل يضمنان عنده؛ لم يفعل.
فأخذ هذا المعنى محمد بن مسلمة، فقال يهجو ابن الاغلب: لو أنّ قصرك يا ابن أغلب كلّه إبرًا على سَعَةِ الفضا والمنزلِ