والخدمات والإجراءت التجارية الحمائية ويكون العالم كله موضع ابتزاز أميركي، إما أن تفعل وإما سيف العقوبات الاقتصادية..يعتقد العربي أنه بعيد عن التداعيات ولا يعلم أنه أول المتأثرين لأنه مستهلك قياسي، بل مستهلك وفقير في معظم دوله.
ليس هذا فحسب..في هكذا حرب ‘‘تجارية معلنّة‘‘و ‘‘عسكرية مكتومة‘‘ بين الصين وأميركا..تتقلص قيمة الشرق الأوسط بأكمله..نحو تصفية نهائية أليمة حتى تتخلّص إدارة ترامب من إدارة أعبائه وتتفرّغ بجهدها الحربي والاقتصادي لمواجة بكّين..وهذه التصفية في وجهها الآخر لن تكون سوى على حساب السكان العرب المحليين الذين ينتظرون نهاية العالم فستكون نهاية عالمهم أنفسهم..وأولها..دعم شرس لكل الأنظمة الرجعية العربية لمحاولة فرض سيطرة بالحديد والنار على شعوبهم..
وإن كانت السيطرة السلطوية موجودة الآن بحد أدنى من المساءلة الدولية، فهذا الشرط الأخير سوف ينمحي، لصالح قمع مفتوح السقوف..ابتزاز أنظمة عربية قائمة بالتطبيع كشرط أولّي ووحيد لبقاء العلاقات على مستواها مع واشنطن، ولن تندهش إذا ما وجدت مكيًا في تل أبيب، وإسرائيليًا مقيم في الحجاز..وأخيرًا..سيكون مطلوبًا من شعوب المنطقة دفع جزء من الفواتير الاقتصادية الأميركية في الحرب الصينية، بمزيد من المشتروات العسكرية وكثير جدًا من الواردات من باب ‘‘ إما معنا أو ضدنا‘‘.
ماذا تريد أن تقول إيجازًا لما سبق؟..حرب تجارية مرتقبة مع الصين..سوف يدفع العربي أثمانها..من قوته ومن أحلامه في الديمقراطية..وحتى من صوته الباقي في دعم فلسطين.
لكن على صعيد آخر ربما تكون الحسنة الوحيدة لفوز ترامب هي انقسام التحالف عبر الأطلسي بين أميركا والاتحاد الأوروبي..في موضوع أوحد وهو الحرب الروسية-الأوكرانية..بين رؤية ترامب الراغبة في تسوية سياسية سريعة للحرب، ورؤية أوروبا التي ترى حربًا طويلة مع روسيا أمرًا ضروريًا لاستنزافها وعرقلة مشاريعها التوسعية..إذا ما قلّلت أميركا دعمها العسكري للأوكران وسمحت بصفقة تضم روسيا بموجبها إلى سيادتها الأقاليم الأربعة الأوكرانية لوجانسك ودونيتسك وخيرسون وزابوروجيا..فإن ذلك سوف يعني في شقه الآخر انهيار تام في ثوابت العلاقات مع ألمانيا وفرنسا تحديدًا، مع ضربة قاصمة للمعسكرات اليسارية لصالح صعود خطاب قومي يميني متطرف يؤمن بفتح شلال التسلح للحماية في وجه الصعود الروسي، مع القضاء على البقية الباقية من مشروع التكامل الأوروبي على اعتباره فاقدًا لاهلية الدفاع عن أوروبا..وفي ظرف مماثل..تكسب روسيا معركة مزدوجة..تنال بالسياسة ما عجزت عنه بالحرب، وتضرب عدوها اللدود، أوروبا المتكاملة، في مقتل لا براء منه.
لكن حتى هذه الحسنة لن يستفيد منها العرب في شيء..صحيح سوف يهلّلون لانتصار روسيا، ويروجون لصعود المحور الصيني-الروسي..لكنه طرح فاقد للأهلية لأن المصلحة الروسية حينها ستقتضي لعب دور ‘‘مطفيء الحرائق‘‘ بين واشنطن وبكين، وليس ‘‘مشعل الصراع‘‘..وثانيًا لأن الدائرة ستدور على العرب بانتزاع سيادتهم على اقاليمهم بالحرب..الحرب الإسرائيلية..وتغيير حدود ما هو قائم بالفعل من دول تعتقد أن تحالفها مع إسرائيل يحميها..لأنه باتت هناك سنّة قائمة في العلاقات الدولية من بعد الحرب العالمية الثانية تقضي بالاعتراف بالحدود الجديدة المكتسبة بالسلاح..الأردن وهي الحلقة الأضعف والأكثر رخاوة ستكون في مهب الريح وليست وحدها أبدًا..بل ستعقبها دول عربية أخرى وليست السعودية بعيدة.
دعني أقول لك أمرًا محزنًا..قتلنا بعشرات الألوف ليس الخبر السيء..في أي رقعة في العالم كان ليصبح أمرًا مزلزلًا..لكن نحن عرب في النهاية ودمنا مستباح من بعضنا ومن الغريب..ثم دعني أخبرك بالأمر الأكثر حزنًا..أن ترامب سيمهد بشكل لا هوادة فيه الأوضاع الإقليمية لأحد أمرين..انبطاحنا المطلق أو إشعال النيران فينا بالكامل لصالح إسرائيل..وهذا الانبطاح يعني تطبيع لا شروط متكافئة فيه..وتلك النيران سوف تشتعل في قلب الدول إما عاجلًا إن رفضت، وإما آجلًا مع تضخم مظلمة الفلسطينيين والتي سوف تنتج أجيالًا شديدة العنف أول من تفكّر في الانتقام منه هو مجتمعاتها وحكوماتها..وسوف يأتي الأمر لا شك مهما طال الزمن.
أما الأمر الأكثر حزنًا من كل ما سبق..أن العرب فعليًا مفعول بهم..ينتظرون - بعدمية شديدة - دمار الكوكب..بدلًا من أن يساهموا بأي دور في تغييره لصالحهم..للصين جيش يحميها، ولروسيا إرادة قومية ناشبة ترتكز إليها..وللعرب..المتابعة ومصمصة الشفاه ودفع الجزية وانتظار القتل بالبارودة الأميركية..حاول السنوار لمرة أخيرة تحذيرهم واستنهاض هممهم للبحث عن موقعهم في الكون..ورضوا أن يكونوا ممسحة أحذية..وقسمًا حتى تلك المكانة..في سنوات ترامب الأربع القادمة..لن يبلغوها.