هل كان السنوار رجلًا مجنونًا بحق؟..وهل أخطأ في شن طوفان الأقصى؟..وهل نندم الآن على السابع من أكتوبر بعد 45 ألف شهيد، و130 ألف جريح ومفقود؟..هذا منشور طويل جدًا..ربما أطول ما سوف تقرأه في حياتك على منصة إكس.
من أين نبدأ؟..من السعودية..ليست تلك التي نعرفها..بل السعودية الإفريقية..وما هي؟..أحكي لك..نهاية القرن التاسع عشر أرسل ملك بلجيكا ليوبولد الثاني مستكشفًا بريطانيًا، ويُدعى السير هنري مورتون ستانلي إلى أدغال إفريقيا..المطلوب؟..اكتشاف أرض جديدة يتخذها ملك بجيكا له ضيعّة..تنقّل ستانلي لسنوات إلى أن وطأت قدمه أرضًا بكرًا..أنهار وغابات..مناجم ومعادن..هي الفردوس الأرض المنشود..قام بتحديد الأرض وذهب في اليوم التالي للملك ليوبولد وأهداها له..كانت مساحة تلك الجنّة الإفريقية تبلغ 88 ضعف حجم بلجيكا نفسها..أطلق الملك ليوبولد على مستعمرته اسمًا جديدًا..الكونغو.
ثم بدأت واحدة من أحط الحقب في تاريخ البشرية..كان ملك بلجيكا معروفًا ببذاءته، احتار الناس في شخصه، معطاء وينفق بسخاء على محيطه، لكنه يعود ليشتري بأمواله كرامتهم، يخلعونها كأحذيتهم على باب قصره، وإن واتتهم الجرأة على انتقاده، أذاقهم الأمرين..هكذا كان يتعامل مع الحاشية القريبة والأمراء..ما بالك بالأفارقة؟..اتخذ ليوبلود الكونغو ملكًا شخصيًا ولم يقبل بالتنازل عنها لدولته بلجيكا..بدأت صناعة السيارات والمركبات في بدايات القرن العشرين في الرواج نسبيًا..والمطلوب..مطاط لصناعة الكاوتش..وكانت الكونغو المصدر الرئيس لزراعته وتوريده..كم كان المزارع الكونغولي يتقاضى نظير الزراعة؟..لا شيء حرفيًا..يعمل كالعبد سخرةً دون مقابل.
انتفض العمال..رفضوا الذهاب للمزارع..فأطلق الملك البلجيكي حملةّ لتأديبهم..بدأ الرعب..يأتون بالمزارع..يقطعون يدًا ورجلًا من خلاف، ثم يصلبونه على الشجر..في اليوم الأول..صُلب 100 ألف كونجولي..تأمل فيما يدور اليوم وستعرف ما الذي يتكلفه أسر وقطع وصلب 100 ألف إنسان..يستلزم جنودًا ووحشية..وكلاهما توافر للملك ليوبولد..يتذمّر الكثيرون من الاستعمار الفرنسي..حقيقة..استعمار قبيح..لكن الأقبح في التاريخ كان الاستعمار البلجيكي..كان الفرنسيون يؤمنون بضرورة سحق السكان الأصليين وتعليمهم الفرنسية لغة وعادات وتقاليد، حتى يصيروا فرنسيين في كل شيء عدا لون بشرتهم.
أما البلجيك فرفضوا تمامًا التقارب الثقافي..يتعلم السكان الفرنسية ربما، الفلامنكية ربما..من أجل سهولة التواصل فحسب..لكن من غير المسموح لهم السير في نفس شوارع البيض، أو الذهاب لمدارسهم أو ركوب بغالهم..أو حتى التعليم في مدارسهم..التعليم كفكرة أصلًا مرفوضة للأفارقة..حتى يسهل التحكم بهم..تخيّل حينما نالت الكونغو استقلالها في 30 يونيو 1960..كم كان عدد ضحايا الاستعمار البلجيكي؟..10 ملايين كونغولي..كم كان عدد خريجي الجامعة في دولة تبلغ مساحتها 2.3 مليون كم؟..ضع رقمًا..100 ألف؟..50 ألف؟..10 آلاف؟..لا..16 شخصًا فقط..نعم 16..هذا ما فعله البلحيك بالكونغو..وهذا ما لم يقبله أول رئيس وزراء مدني منتخب في تاريخ الكونغو وإفريقيا..وهو السيد ‘‘باتريس لومومبا‘‘.
وقف يوم الاستقلال في برلمان بلاده..أمامه ملك بجليكا ‘‘بودوين‘‘ وحشد من الرجال البيض الذين ظنّوا أنهم جاءوا لينعموا عليه بحريّة بلاده، بينما يكتفي هو بتقبيل الأيادي البيضاء شكرًا وامتنانًا..لم يحدث..وقف لومومبا أمام ملك بلجيكا يشيد بالشاب الكونغولي الذي سرق سيف ملك بلجيكا أثناء تجواله بالسيارة في قلب العاصمة الكونغولية كينشاسا..وقف يُعدّد جرائم الاستعمار ويُحمّل البلجيك جرائم السرقة والنهب والموت الذي أذاقوه لشعبه..وقف فقط بكرامة يقول ‘‘لا‘‘..للتحالفات الغربية..ويتعهد بالخروج عنها والسير نحو تحقيق مصلحة بلاده وفقط..ورآها مع الاتحاد السوفياتي..هل غفروا له محاولة الاستقلال؟..سامحوه على اختيار طريق التنمية لبلاده بعيدًا عن الغرب؟..كانت جريمة مروّعة.
عام 1961..دعم البلجيك ورجال الاستخبارات الأميركية جنرالًا قزمًا يُدعى ‘‘سيسي سيكو موبوتو‘‘، قام بالتعاون مع أحد جنرالاته واسمه ‘‘تشومبي‘‘ بالسيطرة على أهم منطقة غنيّة بالمعادن في الكونغو وهي ‘‘إقليم كاتانجا‘‘..فصلوا جزء من البلد عقابًا للحرّ ‘‘لومومبا‘‘..اعترض الرجل..هذه بلادي وأدافع عنها..بدأ يستدعي الجيش..ما تبقّى منه بالأدق..فكان العقاب الوحشي..دخل الجنرال المنشق تشومبي للقصر الرئاسي..اختطف لومومبا أمام أعين الجميع، ما تزال صورة لومومبا مأسورًا متاحة على جوجل، مؤلمة لكل شريف وحّر..المهم..إلى مكان سري اقتادوه، وهناك استجوبوه..وصدر الحكم..طلقة في الرأس..ثم تقطيع جسده، وإذابته في الحامض..حتى لا يتبّقى منه أثر..وهو ما كان..في ال 17 من يناير 1961 اختفى لومومبا للأبد..لكن عام 2000 سيخرج علينا جندي بلجيكي اسمه ‘‘جيرار زفيته‘‘..وهو يحمل في علبة زجاجية جزءً من دماغ وأسنان لومومبا..ويتفاخر علنًا بأنه من أذاب جثته.