الهجوم الإسرائيلي على إيران..دليل قاطع على القوة العسكرية الإيرانية وليس العكس..
الطموح الإسرائيلي في المعركة مع إيران كان يدور حول نقطة واحدة فقط وهي..استئصال البرنامج النووي الإيراني..خلال العقد الأخير سعى نتنياهو لإقناع إدارات أوباما وترامب وبايدن بالحصول على تفويض لتدمير المنشآت النووية الإيرانية ولم ينل سوى ترخيص بسيط بشن عمليات تدميرية لا تحمل بصمة عسكرية عنيفة من وزن زرع فيروسات في أجهزة حاسوب المنشآت النووية الإيرانية في نطنز، أو تنفيذ عمليات اغتيال لعلماء نوويين إيرانيين مثل محسن فخر زاده..لكن ضربة عسكرية شاملة..أبدًا.
وهذه المرة تحديدًا كانت فرصة ذهبية لإسرائيل لتحقيق هدفها الأهم وهو سحق القوة النووية الإيرانية، وهذا الأمر يعني في وجهه الآخر، إفناء قدرة إيران على دعم محور المقاومة، وتحقيق الأمان الإسرائيلي في دول الطوق، والأهم تأسيس شرق أوسط جديد، لا يكون فيه ثمة صوت للبندقية بل تطبيع إسرائيلي-خليجي يقود المنطقة لعقود طويلة قادمة..لكن إسرائيل التي لا تصمت دقيقة على ما تراه حقها في الرد..ابتلعت جبرًا الإهانة الإيرانية بقصف تل أبيب ومنشآتها العسكرية لمدة شهر كامل..خاضت خلاله مفاوضات شاقة مع واشنطن لتحديد بنك الأهداف الإيرانية المطلوبة لحفظ ماء وجه إسرائيل.
وفي النهاية كان التفويض الأميركي مقتصرًا فقط على بضع منشآت عسكرية من قبيل مصانع إنتاج صواريخ وخلافه..مع تجنب الأهم..المنشآت النووية وكذلك منشآت الطاقة..أي إن إيران خرجت من الهجوم محتفظة بكامل استثمارها الاستراتيجي الذي بنته في العشرين سنة الأخيرة..حلمها النووي..بل وآبار بترولها التي سوف تعيد من خلالها تمويل نهضتها بعد تخفيف أو رفع العقوبات..إسرائيل التي لا تلتزم بسقف للاشتباك وترد على مقتل جندي بتدمير دولة..وجدت نفسها لأول مرة تقبل تدمير قاعدة نيفاتيم مثلًا..تقبل هلع 6 ملايين شخص..تقبل وحينما ترد..تستهدف منشآت عسكرية فقط.
لو كانت أميركا ترى في إيران قوة هامشية..لكانت سمحت لإسرائيل بما يفوق ذلك أضعاف..لكنها تعلم أن طهران قد راكمت قوة تجعلها قادرة على تحويل الشرق الأوسط لجحيم مطلق لكل قاطنيه ومستعمريه..تدمير خطوط نقل النفط في الخليج العربي والمحيط الهندي ومضيق هرمز..تقويض ثلث التجارة العالمية..استهداف واسع للأنظمة الخليجية المتعاونة مع إسرائيل..وفوق ذلك استهداف إسرائيل بكل أهدافها العسكرية والمدنية..هذه القوة الإيرانية التراكمية هي تحديدًا ما منعت الاقتراب من مشروعها النووي..والاكتفاء بضربة تجميلية للإهانة الإسرائيلية.
المعركة كانت توشك على الإفلات لصالح إسرائيل..اغتيال قادة المقاومة في غزة ولبنان وإيران..اختراق معلوماتي هائل على الجبهات الثلاث للمقاومة..مع صعود خطاب إسرائيلي بحتمية تغيير المعادلة السياسية في الشرق الأوسط..لكن إيران أعادت معادلة الردع بعد أن أيقنت أن استمرار الأمور بتلك الطريقة سيقود لتدميرها هي نفسها..فصعدّت ردّ فعلها سواء بضربتها العسكرية أو رمّ صفوف حزب الله الذي استعاد عافيته في الميدان ووجّه رسالة أخرى بمحاولة اغتيال نتنياهو في عقر داره في قيساريا..وإذا كان الحزب حليف إيران يستطيع ذلك، فإيران بقوتها الصاروخية تقدر على أضعافه.
إيران تنجح للمرة الثانية في بيئة إقليمية ودولية شديدة العدائية في الحفاظ على حلمها التاريخي..لكن هل يعني ذلك أن الأمر قد انتهى؟..لا..طالما بقيت إيران بمشروعها، وإسرائيل بطموحها..فإن الصدام قادم لا محال..اليوم أو غد أو بعد ألف غد..والسبيل الوحيد لإيقاف الحرب الشاملة هو استمرار إيران في دعم المقاومة..تحويل الحدود الإسرائيلية لخط نار ملتهب يستنزف قدرات الكيان وحلفائه بدلًا من الانشغال بإيران..إيران التي أدركت ما عجز العرب عن فهمه..
أن تأمين حدودك يبدأ من خارجها بألوف الأميال..العرب الذين أيضًا يعجزون عن الفهم..خصوصًا عرب شبه الجزيرة والخليج أن دعمهم الجنوني لحرب إيرانية-إسرائيلية..سوف يقودهم أنفسهم لدمار ذاتي..لأنهم في معادلة الصراع..بنك أهداف..وليسوا حلفاء أو شركاء أو أنداد أو فاعلين بأي شيء يتجاوز دورهم المذموم تاريخيًا بكونهم ‘‘ماكينة صرف‘‘ للحروب..يمولونها ويدفعون غاليًا أثمانها..خلاصة الضربة العسكرية الإسرائيلية على إيران هي التالي..إيران تصمد، إسرائيل ترتدع، واشنطن تتعقل، الخليج كرة تتراكلها أقدام السابقين.