أنا ..
وأنا ..
ولعلمكَ : عمري إلى الآن
خمسون ألف حصارْ !
وفي داخلي يتشظَّى الفلاسفة
السائرون إلى حيث ترشدهم
في المتاهاتِ أنفُ العصا .. أو يلوِّح
في أفْقِهِم قبسٌ للنهارْ
لحاهم مبللةٌ بشكوكي ،
وظلّوا طوال الطريق جياعاً ،
وما أطعمتهم عروقي سوى طلحةِ الإنتظارْ !
لعلمكَ : عقلي إلى الآن ليس
يميز بين الشهية .. والإشتهاءِ ،
وبين النهاية .. والإنتهاءِ ،
ولا يتخيل شكل "اتخاذ قرارْ" !
فلا تندهشْ ، وتأمل ورائي ..
عشر سنينٍ .. طفولة ..
وأخرى ..
كهولة !
أين من العمر أجلس
في هدأةٍ لأقشِّر جوز الظنونِ العنيدة !
لعلمكَ : لم يبق عنديَ ثوبٌ
لأرقعه بالنصائحِ ..
لا بابَ حوليَ للطارقينَ ،
ولا دربَ فوقيَ للسالكينَ ،
فوفِّر من النصح واجلس ندخِّن سوياً ..
أو ارحل ..
فلم يبق إلا لفافة تبغٍ وحيدة !!
* * * * * *
لماذا ترى يكتبون الوصايا ؟ ،
وهل هو أسلوبهم في مغايرة الموتِ ؟ ،
أم هي آخر نقلاتهم فوق رقعةِ
أرضٍ ستخلو غداً منهمو ؟ ،
أم ترى كان حقاً .. حسدْ !
لماذا ؟ ، وقد كان أولى
بتلك الوصية يومُ الولادة
لا يومُ يرتحلون ،
ترى أي معنى لرغبتهم بعد ذلك ! ،
كم كنتُ مشتبهاً بالسؤالِ ،
وتطردني طرقات الإجابة !
ويوم ولدتُ
كتبتُ بماء الصراخ وصية عمري ،
وعشتُ ولم يحترمها أحدْ !
مارستُ نفسي هنا
أتأمل خلف المكانِ ،
وأقلبُ ذاكرتي مثلما يقلب الطفل
حصالة المال بعد شهورٍ ،
أفتِّشُ جيباً قديماً ،
وأفتحُ درجاً عتيقاً ،
وأبحثُ ..
ما زلتُ أبحثُ ..
منذ قرونٍ ..
وحتى الأبدْ !
وقد كنتُ أجلس في كل مقهى ،
وأدخل في كل بيتٍ ،
أجوب الشوارع كالحشراتِ الحبيسة
تبحثُ عن منفذٍ للخروج ،
وعن فرجةٍ لتمرر منها طعام الشتاءْ
وكلَّ اصطدامٍ جديدٍ
أفيق بكاءً ..
أفكِّر في أي أنموذجٍ لأركِّبَ
روحي الحزينةَ فوق تراب الجسدْ !
تجاهل فمي حين يغدو كلامي
نقيعاً من البؤسِ ،
لكن تفهَّمْ ،
فلن أتحامل وهماً على الغير ،
لن أتعارك مع صنم العمر
من أجل مجتمعٍ خانقٍ .. وبلدْ !
فما هكذا تتجلّى حياتي ،
وما هكذا يتهيأ صوتي ،
ولكن إذا شئت قل : إنني
عاشقٌ مضطهدْ !
* * * * * *
ترى أيُّ شيءٍ تبقى لنا ؟
لماذا مشينا بكلِّ