يَسبُقكَ الصحبُ، وتُغلق الحلولُ في وجهك، وتَظُن أن بكَ عيبًا. الجميعُ يسيرُ في طريقه، وأنت هُنا ما زِلتَ بمكانك، تتسائل بأيِّ ذنبٍ حُرمتَ ما تتمنىٰ أو أي ذنب يعيقُ سَيرَك للوصول إلى ما تريد أو يؤخرهُ عنك.. تَري من حولك قد جُبر فتضع يدك علي قلبك وتقولُ: وقلبي يارب..
بداخلك حديثٌ يطولُ شرحُه ووصفُه، يخرج على هيئة تنهيداتٍ ودَمعٍ أسيل،
تجلسُ تَعَضُّ يداكَ أسفًا وندمًا على ما فاتَ وولّى وماتَ، وتقولُ: يا ليتَ ولو وآهٍ؛
أنساكَ الشيطان أنه قَدرٌ قد قُدِّر، وأنَّ رزقك المتأخر قد يكونُ خيرًا وأفضل وأعظم من أرزاقهم المتقدمة، وربما يَختبِر اللّٰه صبرَك ليرىٰ مدى يقينِك وظنِّك بهِ بعدما غادركَ الجميع، وتظنُ أنك غارقٌ وفي الحقيقة أنك ناجٍ.
فلتتوجع بـ "الحمدِ يا رفيق"، وتُسلِّم تمام التسليم بِـ "قَدَّر الله وما شاء فَعَل"، ولتُغلِق لوسوسة الشيطان والنَفسِ بَابَك بـ "مالكٌ يَتصرفُ في أملاكهِ حكيمٌ لا يفعلُ شيئًا عبثًا" فلا تأسف على ما فاتك فَلِكل شيء قد جرى حكمٌ خفيّ.
وتذكَّر وصية الرسول ﷺ:
«اعلم أن ما أخطأك لم يكُن لِيُصِيبك، وما أصابك لم يكُن لِيُخطِئك، واعلم أن النصر مع الصبرِ، وأن الفرج مع الكَربِ، وأن مع العُسرِ يُسرًا».🦋
فلا تيأس وربُّك لطيفٌ لما يشاء. تأمَّل حبَّةَ الخردل! إنّك لا تكادُ تراها إن لم تكن محدِّقًا فيها، انظرْ إلى حجمِها بالنِّسبةِ لكفِّك، ثمَّ بالنِّسبةِ لحجمِ غرفةٍ مثلًا، ثمَّ بيت، ثمَّ قارن حجمَها بحيِّك، ثمَّ بمدينتك، ثمَّ بدولتك، وبعد ذلك بقارَّتك، ثمَّ بالأرض، ثمَّ بالسَّماوات الفسيحة، ثمَّ ثقْ: إن أرادَها الله فسيأتي بها ﴿إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ﴾.
فمن بلغَ لطفُه أن يأتي بحبَّةِ الخردل مِنْ متاهات هذا الكون العظيم، ألا يمكنُ للطفهِ أن يقود قدرًا إليك -كلُّ المقدِّمات المنظورة لا توصله إليك، ولا تدلُّه عليك-؟ بلى واللَّه..
أحبُّ أن أعرِّفَ نفسي حاليًا بأنني مسلمٌ يسعى إلى بدءِ بدايةٍ جديدةٍ في كلِّ عثرةٍ، ولو بلغَ الأمرَ أن أبدأَ عشرَ مراتٍ في اليومِ الواحد! بدايةٌ جديدةٌ في كلِّ شيءٍ.. الحمدُ للهِ الذي شرعَ لنا التوبةَ، وجعلَها للمسلمين منهاجًا نسيرُ عليه في أمورِ ديننا ودنيانا. الحمدُ للهِ على نعمةِ البداياتِ الجديدةِ، وعلى نعمةِ الأمل. أذنبتَ؟ - تُبْ. أخطأتَ؟ - عاودْ وابدأْ من جديد. المهمُّ أن لا تقفَ، بل إيّاك أن تقفَ، أما ترى الماءَ يفسدُهُ الركودُ!
أنتِ جميلة كوردة مُختلفة، جَذَّابة، يانعة في بستانِ مُزَارعٍ مفتُونٌ بوردةٍ واحدةٍ أغنته عن النظرِ للبستان بأكمله، أنتِ جميلة كصفحة بيضاء لم يُسطِّر الحبرُ الأسودِ كَلِمَاتَهُ القاسيةِ عليها، بل زُيِّنَت بصورتكِ الجميلة التى علِقت بذِهنِ وقلبِ أحدِهم فأقسم أنْ تكوني خاصته، فأتى لِبابِ بَيْتِكِ مُتلهِفًا لِأَنْ تكوني الملكةَ الوحيدة التي حكمت مملكته، وستبقين لِأرذلِ العُمُرِ أمِيرةَ حياته، وسلطانةً على عرش قلبه، فإياكِ واستنزاف عُذرية مشاعركِ مع من لا يستحق، إيِّاكِ وإهدار مشاعركِ مع لِصٍّ أتىٰ من الشباك لِيَسْتَلِذّ ساعة ويرحل؛ أنتِ عزيزة، أنثى؛ يُبذل لها، مرغوبة لا راغبة، تستحق أن تكون حَليلة رجل طلبها من والدها بحلال الله وانتظر وجاهد حتى تكون خاصته، زوجة رجلٍ يتحمل المسؤلية، مسؤلية تِلك الفتاة سلمية الفطرة، والمشاعر، فتاة تُحافظ على نفسها لأجل رجل واحد، وليست متاحة للجميع في كل زمان ومكان، وبالشكل الذي يرغب به، أنتِ عزيزة ومشاعركِ غالية لا تُهديها إلا لرجل يستحق، رجل أصبحتِ حليلته أمام الله والجميع، وكفاكِ تَعَلُّقًا بذكر لا يعرف عن المروءة إلا اسمها؛ وَسَيُرَدُّ له الصَّاع صاعين؛ فكما تَدينُ تُدان.
هي صعبة، الشغل صعب، والتعامل مع الناس صعب، وإن الواحد يعمل فلوس صعب، والجواز صعب، وإن احنا نروح الشغل كل يوم عشان دخل لا يكفي بردو صعب.
بس سيدنا عمر بن عبد العزيز -رَضِيَ اللَّه عنه- قال جملة تُكْتَبْ بماء الذهب.. قال: لو أنَّ الناس كُلَّما استصعبوا أمرًا تركوه، ما قام للناس دُنيا ولا دين..
فما ينفعش نبطل نعمل حاجة أو نبطل نحاول عشان الحاجة دي صعبة، لأن هي دي الدنيا.
لا تألَف المَعصية.. بمعنَى: إن كُنت صَاحب ذنب فحَاول تجنّبه، حاوِل غضّ الطّرف عَنه وإبعَاده عنك مُباشرة بأيّ طريقَة شِئت، وإن لم تستطِع وفعَلته، واشتدّ علَيك وأدمَنت فِعله؛ استغفِر من ذَنبك بعدهُ مباشَرة أو توضّأ وصلي ركعَتين، لا يكُون ضميرُك ميّتٌ وكأنّك ما عصَيت الله وهو ينظُر إليك!
في إحدىٰ الكتب التي قرأتها عن بناء العادات، كانت توضح كيف يمكن للتكرار وكثرة المحاولة أن تعطيك نتائج أعظم من تمضية وقتك وأنت تحاول تخيل ما ستفعل لتنجح نجاحًا باهرًا، وخلاصة القول فيما قدمه الكتاب أن الرسام الذي سيحاول تقديم مائة لوحة فاشلة لنفس الصورة، سيأتي بنتيجة أعظم من ذاك الذي أخذ يفكر كيف يقدم لوحة مُبهرة! وكذلك أنتم تمضون وقتًا كبيرًا في محاولة وضع أقوىٰ الجداول الزمنية، والخطط العبقرية التي عادةً ما تفشل، بينما قلة قليلة هي من تحاول في وضع جدول بسيط ثم تعدله، وتعدله، وتعدله حتىٰ يكون في أحسن صورة. والخلاصة أنه بدلًا من تمضية وقتك في التصور والتخيل دعونا نجرب، ونعدل، وسنحصل علىٰ نتيجة أفضل.
أُشفِق علىٰ الذين يثبِّطون من الطامحين دائمًا، أو يقلِّلون من قيمة ذاك الشغف، سواءٌ بقصد أو بدونه، كلامُك في الأغلب لن يغيّر شيئًا، لكن يُؤسفني أنك لن تكون ضمن الحاضرين للاحتفال بذاك النجاح، حتىٰ وإن كنتَ منهم؛ فإنك ستكون غريبًا؛ لأنك لم تقدِّم شيئًا لذلك الطامح يشحذ همته، ويذكِّره بهدفه أو بك بشكل لطيف، يؤسفني بشدة ذاك الأمر. لذلك سأعطيك نصحية صغيرة: تعوّد أن تدعم أصحاب الشغف والأهداف، طالما يسعَوْن في طريق الوصول، تعوّد أن تُحيي همّتك، وهِمَمَ مَن حولك معك قدر المستطاع، إن لم تستطع بأفعالك؛ فبقولك، إن لم تستطع؛ فاكتفِ بالصمت. ولا تنسَ أن تفعل ذلك لوجه اللّٰه، حتىٰ يبارك لك في همّتك وعملك.