أصدقاء الطفولة هم جزء عظيم من طفولتك، جزء لطيف يشعرك بالبهجةِ والامنتان للسنواتِ التي كبرت بها معهم، كنا أطفالًا وأنقياء أكثر، لكنا مازلنا نحمل في أعماقنا ذات الحُب النقي والطفولة.
أتعلم معنى أن تكبر مع أرواح تشبه روحك، وتجبرنا الحياة لنغير وجهتنا، والبعض تأخذه منا المسافات، ثم تجمعنا الحياة بعدلها بذاتِ اللهفة والحُب، كُنا صغارًا رسمنا أحلامًا كثيرة وكبرنا معها، اليوم بعد سنوات الفراق نلتقي بحبٍ أكبر، لنثبت أن لا المسافات ولا الحياة قادرة على أن تنزع منا حنيننا لبعض، كنا ومازلنا أكثر من رفقة، راهنا على هذا الحُب كثيرًا واليوم نروي هذا الحُب بعينيّنِ مُمتلئة بالحنينِ للطفولة، كبرنا وكبر هذا الحُب، للأبد لا أرواح ولا قلوب أنقى منا علينا، للأبد يبقى الحُب اللامشروط في داخلنا حيًا مهما حدث، كل الحُب لليوم المبهج ولسعادةِ اللقاء بعد سنوات الفراق.
مُمتلئ لكنك صامت يعصف بك الحنين فتبدو كمتبلد كأنَّك في الكون الوسيع بِمفردك تُقام في داخلك حربًا وعينيّك تكاد أن تُفصح ما بك لكنك تصمت فتصمتُ حبًا وتسكن شوقًا.
هذهِ الحروب اللاأخلاقية، وهذهِ المجازر التي لفرطِ وحشيتها تكاد تفقد الواعي عقله، تلك المناظر الذي لو غرق بها المرء لوهلةٍ لأصابه الخذلان، كيف لمن يحيا بين الدمار والركام والأسى، بين اللا حياة! تواسينا فكرة وجود الله، عدله وانتقامه، كيف يمهل ولا يهمل، يهتم لفتاتِ الأحزان في قلوبنا، فكيف في قلوبهم الغارقة في الدماء؟ لولا وجود الله والدعاء لجنَّ المرء لفرطِ وحشية العالم، لكن الله ينقذنا كل مرة، يتلاشى اليأس في وجود جلالته، حاشاك أن تيأس الأرض وأنت رب الكون، حاشاك أن نفقد الأمل وأنت خالقه.
عشر سنوات ومازال غيابكِ أكبر خسائري، ومازال الحنين يسرقني إليكِ بكل ذكرى بكل فرحة وحزن، مازال غيابكِ الطويل ندبة وجرح غائر لا يشفى إلا بلقائكِ، كنت أتمتم دائمًا أن الوقت علاج لكل شيء، لكن السنوات تمضي ولا شيء ينسى، كنتِ عظيمة تكمن عظمتك في صعوبة نيسانك، وفي وفاءِ والدي، في الحُب الذي غمرتيهِ لنا، في الذكريات التي ترافقنا، أمضيت ليالٍ كثيرة محاولةً تذكر صوتك، صوتك وحسب فشلت مرارًا، لكن خيالك كان يواسيني عوضًا عن نسيان صوتكِ ملامحك كانت عالقة في مخيلتي، لم تستطع السنوات أن تلمسها، كنت أواسي غيابكِ أن الأنقياء يرحلون مبكرًا، سنوات الغياب تسرق سنوات غيرها واللقاء حلم مجهول مرتبط بالقدر، ربما ستسرقني الحياة يومًا إليك، سأتذكر حينها صوتك، حينها لا مزيد من الحنين. أيار كئيب دومًا بغيابك، رحم الله جنتي، رحم الله أمي.
وحده الحُزن يدمي القلب هذهِ الأحزان الكثيرة وهذه الحروب الطويلة وليالي البعد والحنين وحده الشوق أيضًا يذيبنا فننصهر رويدًا رويدًا نتوقف عند أي خبر حزين لنبكي تارةً حزنًا تارةً خوفًا وتارةً شوقًا كل ما يسرق الإنسان من الإنسان يبكينا لكن الأمل كذبتنا نحتضنها كل يوم وليلة ستعود أمنياتنا ستنتهي الحرب ستمطر سنتمايل تحت المطر وسنضحك كثيرًا ربما ذات يوم.