صغيرتي التي تكبُر، بقلبٍ قطنيّ وعينيّن بُنية، وروح نقية تكبر عمرها الطفولي، مرحة تثبت أن أحزان الأرض مجرد مزحة، عظيمة كالوطن.
ختامه ورد أهدتنا أمي بُستان ورد، أزهرت منزلنا، يكبر البستان كلما ابتسمت، يزهر أكثر، تتورد الحياة برفقتها، أهدتنا هي أُمي لتُنير المنزل، لتزرع البهجة أيضًا لذا اسمتها فرح!
تكبرين تكبر الأحلام، تشرق الشمس، تبتهج الأيام، كل عام وأنتِ عظيمة ابنة عظيمة، كل عام وأنتِ صغيرتي، رفيقتي والحياة، كل عام وأنا أحبك أكثر، ليكن دربكِ منيرًا مبهرًا كابتسامتكِ دمتِ بخير أنتِ والوطن.
كانت سنوات مليئة بالحكاوي، ضحكنا بكينا سويًا، كانت الأيام تبدو دافئة رغم المشقة، كنا نمضي بفخرٍ كيف أننا لم نستسلم، كيف أننا قاومنا ليالي الأرق، فكيف للمرء أن يحيا وفي عمقه حُلم؟
تحاوطك الهلاوس ذاتها ماذا لو لم يزورنا الزهايمر في نهايةِ المطاف؟ ألا توجد طرق أكثر حنانًا ليتعايش المرء بها مع ذكرياته؟ أليس بائسًا أن تبقى عالقًا في المتاهاتِ نفسها؟ ما زال يراودني سؤال: "كيف يحيا المرء دون الأشياء التي ترك بها قلبه، كيف يمكن لفكرةِ غيابها أن ترافقه إلى الأبد، أليس هناك نهايات للنهاياتِ أيضًا؟"
تغريني رغبة الاختفاء أن أمضي إلى ما لستُ أدري! وأترك خلفي ذاتي وأمنياتي آمالي وكل من أحب أن أتجرد مني ومن فرطِ شعوري أن أتلاشى في الهواء كالسراب أن تبتعلني تلك الفجوة التي لا وجود لها.
بائسٌ يحمل مشقة المضي في الطرقِ الخاطئة عائدٌ من حربٍ ترك بها روحه وحدهُ الأمل من قتله تسرب في خلاياه وأنتزع منه الحياة يتنهد بحمقٍ يرجوه بخجلٍ ألا تشرق الشمس مجددًا أن يرحل في الظلام دون أمل أو أحلام دون ذكرى واحدة أو لحظة واحدة تعيده إليه ويصمت ذهنه.
أحيانًا أشعر بالرغبةِ بالبكاء كطفلٍ في الطرقات، فيسألني أحدهم: "ماذا تريدين؟" لأجيب: "أريد أمي" كثيرًا ما تنتابني لهفة اللقاء كالأطفال بعد غياب صغير، لا شيء يمحق العقل البشري كفكرةِ الموت واختفائهم للأبد! ثم تخرج سليمًا من مجزرة صداها "كيف عشت عمرًا من دونهم؟" لا الموتى يعودون، ولا نحنُ نذهب إليهم، كل الذين ابتلعتهم الأرض، ابتلعت معهم أرواحنا، وأورثتنا عنهم الحنين، ليتنا نرحل أو يعودوا.
كانت تبدو كغصة ستلتهمني، كشيء عالق في منتصفِ حنجرتي، شيء يفقدك الرغبة في الحياة، ثم يبهت كل شيء في عينيّك، واحدٌ تلو الآخر الناس الأماكن، المواقف، والحياة، فتبدو الحياة ثقيلة، كان يشبه الموت لكن دون نهاية، يشبه الغرق كأن روحك تطفؤ وتطفؤ لكن لا أمل، كان ثقيلًا على أن يُشرح، عصي الفهم، ثقيل حد الكآبة، وغريب كاللاشيء، ووفي كظلك، كان باهت كالروح، باهت كأحلامه.
ثمة وداعات ناقصة وأسئلة لا تجرؤ على طرحها خوفًا وحيرة لا تنتهي هناك صوت يتردد في داخلك تصمته ولا يصمت تدفنه ولا يموت تخبئه فتصيبك الرجفة وثمة "لماذا" كبيرة بحجمِ الكون تحطيك بكل ثانية!
كانت المشكلة كلها في أننا نستيقظ من النوم أن الهاوية لا تبتلعنا ولا يلتهمنا الجاثوم في أننا ننهض لنعيد الحياة ذاتها المشاعر التي هربنا منها والنار التي لا تنطفئ يزعجنا صوت الحياة المستمر ضجيجهم يذكرنا بيأسنا ثم ترى نفسك تغرق في خذلانك ويتردد صدى في داخلك "لمَ نستقيظ مجددًا؟"
الإبحار عكس التيار قد يبدو غريبًا، محاولات النجاة كثيرًا، والتوقف أيضًا؛ ثم ينتهي بك المطاف تنازع روحك، تبحث عن طريقِ العودة لتنجو. الحياة كذلك تشبه الإبحار، مدٌ وجزر، إن لم يكن لك غاية فلن تشعر بلذة النصر.
يتسرب الحماس في أعماقنا، ولهفة اللقاء تزداد يومًا بعد يوم، ضربات القلب أيضًا كأنَّ طبولًا بها تُقرع، كل ذلك حينما يشعر المرء بقربِ حلمه، وأنه سيعانق هدفه، إن الأهداف من تجعلنا نقاوم التيار؛ فننهض بعد كل انهيار، نخطو بثقةٍ أكثر، وتبدو مُعاناة الطريق حربًا تستحق أن تُقام.
يحيا الناس ليصلوا لمرادهم في النهاية؛ ليتذوقوا النهايات السعيدة، يتنهدوا بعد شقاء الرحلة، تنهيدة بهجة وفخر، إنَّ الإنسان دون هدف، يبقى كمن يتخبط بالحياة، لا يعلم أي الطُرق سيمضي، أو إلى أين سيصل؟ يواصل السير دون وجهة، يجد نفسه يستيقظ ذات يوم كئيبًا، يفتش بين ذكرياته، لا شيء يدعو للفخر، لا انتصار هنا؛ ثم تهوى روحه أنه أجرم بحقِ ذاته، ويبقى أسير الحيطان وروحه، يستسلم للحزن والكدر؛ فلا انجازات تواسيه، ولا حلم يستقيظ لأجله؛ فيصبح وكأنَّه سفينة دون دفَة، مهما حاولت الإبحار لن تفلح، ستغرق لا محال، وسيغرق كل ما فيها، كل الآمال التي على متنها أيضًا؛ فيصبح شبيهًا لها، ينتهي به الأمر بين حيطان أربعة، يلوم ذاته، يوبخبها، وتارةً يقسو عليها دون جدوى.
وحدها الأحلام من تجعلنا على قيدِ الأمل، وحدها من تجعلنا نتذوق مرارة الأيام بصبرٍ وثبات، لا يُهزم من ابتغى مقصدًا، يقاوم ثقل المواقف لأجله، ويتخيل لحظة احتضانه بفارغِ الصبر، وينهض كل يوم ينازع الكون ليحصل عليه.
أتحاشى الأخبار أتجنبها أشيح النظر مرارًا أتحدث بصوتٍ عالٍ كي لا أسمعها أعيد على مخيلتي خيالات كثيرة ثم يهزمني ضميري فأتوقف أغرق مع دمائهم أمطر مع مطرهم أرتجف لخوفهم وتثقل الحياة على رئتيّ ثم أتذكر "حرقة المسلم على المسلم أجر" فيسكُن الكون في عينيّ لا بأس رُبما في حياةٍ أخرى سنحيا جميعنا في سلام.