إنّ البحث عن النقص لدى الآخرين ليس السبيل إلى استحسان ما تراه في نفسك، إذا كنتَ شخصاً درّب نفسه على البحث عن الجوانب الإيجابية، فستجدها في ذاتك كما في غيرك، أما إذا كنتَ شخصاً درّب نفسه على البحث عن الجوانب السلبية، فستجدها في ذاتك كما في غيرك، ولهذا فمن الدقيق دائماً القول إنه ما من ناقد للآخرين يُحب نفسه بحق، إنّ هذا يتحدى القانون، حين تُشاهد من هم شديدوا الإنتقاد للآخرين، فأنت في الحقيقة تُشاهد أُناساً لا يُحبون ذواتهم .
"مرّة واحدة بالعمر يمر بك الشخص النادر الذي كلما تأخرت في ترتيب الكلام قال لا تكمل أفهم ما تريد قوله مرة واحدة بالعمر يمرّ بك الشخص الفريد الذي كلما أخطأت قال لا تعتذر أتفَهم ما حدث , مرة واحدة فقط بالعمر يمر بك الشخص الذي يعرفك أكثر من نفسك".
قصدتُ بقاءً ، ونطقتُ وداعاً أعلم أن قلبي لا يُحِبّ الوداع ولكن ّ الوقت قد قضى على أيامنا، التي لطالما تمنيتها تدوم ولكنّ بعد ما قضى الوقت علينا ولا توجد فُرصاً أخرى لأنتِهازِها ، أقول لكِ وداعاً يا ملاكي وأنا لا أريدُ سِوا مكوثاً طويلاً.
حبيبتي لا أعرف من أين أبدا وماذا أقول لكن كل ما أرغب به هو أن أعاتبك للمرة الأخيرة قبل أن أرحل ، هُنا في السجن لا شيء بالمجان ابداً ،بعد أن تشافيتُ قليلاً وصرتُ أقوى على الوقوف على أقدامي مجدداً لقد التحقتُ مع الذين يديرونَ أعمال البناء الشاقة لمدة ست أسابيع لكي أشتري بعض الأوراق مع قلم وعلبة حبر حتى أستطيع الكتابة لكِ لقد مر واحد وعشرون شهراً منذ أعتقالي، ولستُ أدري ولا أعرف كيف يطاوعِك قلبكِ الصغير يا حمامتي الجميلة على عدم زيارتي كل هذهِ المدة؟ وكيف أستوعب عقلك وظميرك يا عزيزتي أنني فعلتُ تلك الحريمة الشنيعة ، والله على ما أقول شهيد لفد لُفقت لي يا أميمتي أقسم لكِ أنها لُفقت لي ، لستُ أفهم كيفَ تخليت عني بتلك البساطة ؟ لقد عذبوني كثيراً بشتى أنواع الطرق فقط لكي أقول أنني فعلتُ ذلك.. وذلك..وذلك ، استأصلوا أضافري وبعدها بعضُ أسناني ..وبعضٍ من حلدي عن طريق الحرق ولم يكتفوا بفعل كل ذلك بل فعلوا الاسوء حتى أجبروني على قول "نعم فعلتها" وأنا والله لا أعرف عن ماذا يتكلمون، لقد مرت الأشهر الأولى مثل سم الأفعى على قلبي بسبب التعذيب والجوع والظلام المستمر ، لكن كل تفكيري كان بك يا حبيبتي بكِ أنتِ فقط ، بعد أن أكتفوا من تعذيبي وعادوا بي إلى حيث يمكث باقي المعتقلين ، قالوا لي السجناء بعد إستلامي من الحرس بأني كنتُ في غيبوبة ولم أغادر الفراش لمدة أسبوعين جراء التعذيب ، وعندما أستيقظت كل ما كان يشغل بالي أين أنتِ؟ وهل حقاً تركتني وأقتنعتي بكل تلك الأكاذيب ؟ لم يعد لدي ما أعيش لأجله يا حبيبةَ روحي ، لم تكن لدي رغبة في الحديث مع أحد ولم أنبص بكلمة واحدة إلى أن التحقتُ بأعمال البناء ، أمت الأن لقد أكتفيت أن أكتب لك كل هذا وكل ما حدث وأنا أبكي بحرقة أتمنى لو أستطيع أن أرسل دموعي لك مع رسالتي يا حبيبتي ، هل تعلمين لما اليوم بالذات قررتُ أن أكتب. لك ؟ اليوم عيد ميلادي يا حبيبتي هل تذكرين كيف كنا نقظي الوقت معاً في مثل هذه الأيام؟ يا تُرى أين أنتِ الأن وماذا تفعلين ؟ لا أعرف ماذا أكتب بعد سوف ينفذ مني الحبر لكن في الختام يا حبيبتي الأن أودعك وأقبل أنامل يديك الناعمتين وإلى المرة الأخيرة أحبك فقط .
الوداع الوداع يا صديقتي وحبيبتي الجميلة لم يتبقى لي شيء سوى أوراق هذه الرسالة وحين تصل لكِ سأكون حينها أقدمتُ على الأنتحار ، الى القاء يا حبيبة قلبي إلى القاء .