. تمكين - Tamkeen: القصة | الجزء الرابع ____ دامَ البحث عن الرجل الذي قد يساعد بِشر بتخليص آذار قرابة الثلاثة أيام، وفي اليوم الرابع، وصل ساعي البريد إلى بِشر وأخبره أن آذار خضعت لبعض التحقيقات وأنها ستمثُل أمام المحكمة في صباح الغد، مع بعض التفاصيل حول الجلسة وطلب لحضوره.. يا إلهي..من كان يتخيّل أن الأمور ستصل إلى هُنا! ولحُسن حظّ بِشر بينما هو عائد من صلاة المغرب مع محمّد، صادفا الرجل الذي يُظنّ أن يساعدهما.. انكبّ عليه بِشر يحدّثه باندفاع وانفعال، حتى أن الرجل لم يفهم شيئًا، ولطيب أصله، طبطب على كتف بِشر ثمّ قال له مواسيًا.. - أظنّ أنّك خلطت الأمور ببعضها لشدة انفعالك..هذا عنوان بيتي، يعرفه القلة فاحفظ السرّ..توسّمتَُ فيكَ خيرًا بحسن ظني بالله، زُرني بعد صلاة العشاء، وآخذ منك زبدة القول حينها.. أشار بِشر بالإيجاب..ولزم المسجد حتى يطمئن أن الرجل لن يفوته. ---- آخر شيء تتذكره آذار هو ملامح بِشر الخائفة..هي الآن في غرفة مغلقة، حاولت أن تقف وتتبع المخرج في المكان المُظلم، فسمعت صوتًا تألفُه، تلمست الجدار، وأصغت السمع - نعم..نعم أفهمك..لكن أظنّ أنّ آذار متوعكة، وأنا أشعر بالقلق يا ابراهيم..متى سيجتازان الاختبار؟ هذا صوت حُسن! ماذا تقصد..بالاختبار؟ أرادت أن تتحرك مرة أخرى، فأحسّت بيدٍ تُمسك كتفها من الخلف.. ---- ذهب بِشر مع محمّد إلى منزل الرجل الغريب، غريب.. ربما هذا اسم يليق به، هكذا كان يتحدث بِشر إلى نفسه.. جلسا في مجلس بسيط على الأرض، وبينما هما ينتظران، دخلت فتاة صغيرة بعمر سنة ونصف تقريبًا، كانت تحاول التوازن وهي تمشي، نظرت إلى بِشر وابتسمت، ثم قالت بصوت طفولي يكاد لا يُفهم: بابا ؟ سرَت قشعريرة باردة في جسد بشر، واتسعت عيناه وبدا عليه الارتباك..هذا الوجه الطفولي الذي رآه في حلمه قبل عدة أيام.. اقتربت الفتاة من مُحمّد وعانقته، نظر بِشر إليه مُستفهمًا مع دخول صاحب المنزل..ضحك مع البنت وقال: - شمس!..روحي عند الخالة في الداخل هيّا.. سأل بِشر محمّد: - هذه الفتاة..من تكون؟ - مسكينة، هذه الفتاة تُركت أمام بيتي يوم وصلنا، وأرضعَتها زوجتي..يعني هي ابنتي بالرضاعة..لكن لسوء الحال وكثرة العيال، طلبت من هذا الرجل أن يؤويها عنده ففعل..يُقال هناك الكثير مثلُها في منزله. ابتسم الرجل وقال.."كيف أساعدكم إذاً".. سمِع منهما القصة..ثم ابتسم..وقال: لقد هربتَ من اختبارك..أنت تحاول حلّه من خلالي، وأنا لن أساعدك آسفًا..عليكَ أن تجتاز هذا وحدك..
البحث..القلق..الأمل..سقف التوقعات العالي سقط على رأس بشر.. - لا تُعلّق أملك بفانٍ، وتفقد قلبك..لقد آثرت آذار على صلاتك، ويقينك، وثقتك بالله.. وعندما وقعت في مأزق لجأت إلى إنسان.. سعيُك بالأسباب، مُلقيًا كل ثقتك بها..سيخونك لا محالة.. قد يصدمك..كما حدث الآن.. هزّ بشر رأسه وهو يفكّر في حلّ.. ---- التفتت آذار في فزع.. من! جُلّنار! ماذا تفعلين هنا؟؟ - أنا هنا من أجلك.. - من أجلي؟ - لقد أصبتِ بصداع شديد الفترة الماضية، وأخبروني أنّك تعانين من الكثير من الأحلام المزعجة.. - بلى.. قالت وهي تشعر بالتعب.. وضعت جُلّنار يدها على رأس آذار..وقالت: - أنت مصابة بالحُمّى..يجب أن ترتاحي يا آذار..وضعك يقلقني - في هذا السرداب؟ - سنخرُج منه قريبًا.. سأخبرك بطريقة الخروج.. - ماذا تعني حُسن بالاختبار يا جُول.. - الأمر متعلق بنفسك.. قال جلنار بينما تُضيء المكان.. - بنفسي! "سألت آذار بتعجّب" - بلى..أنت تهربين من نفسك يا آذار..أنا أعرف ذلك.. شحب وجه آذار.. - هذا غير صحيح.. - لديك شكوك..وهناك تراكمات كثيرة..تعلق بالآخر..الدنيا تملأ عليك قلبك! - أنت مخطئة.. - لماذا إذًا كل هذا الانفعال حينما وجدت بِشر مع ريحانة.. - كيف عرفتِ؟! - أجيبي سؤالي.. - ماذا تظنين أنّ عليّ أن أفعل! - تتحققي أولًا..لقد كانت ابنة محمد..تثقي بالله ثانيًا أنه لا يحمّلك فوق طاقتك..تحسنين الظن ببشر ثالثًا..لأنه عشرة عمر، ولأنه يحبك، ولأنه مؤمن صادق..صح! ثمّ منذ متى نعطي الدنيا كل هذه الحفاوة.. لقد خشينا أن تموتي حقًا..خفنا عليكِ فاعتقلناك.. لأنك فرّطت ِفي حق قلبك..هذه جريمة..لأنك خرقت كل القوانين لأجل القال والقيل.. سنُصلح هذه الأمور مع طبيب في الأعلى ثم بعدها ستصبحين حُرّة..ستلتقين ببشر قريبًا عليك ألا تخبريه بأي شيء..اتفقنا؟ هزّت آذار رأسها وهي تشعر بضيق تنفس شديد..